حوار مع آیة الله التسخیري رئیس المجلس الاعلی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة

حوار مع آیة الله التسخیري رئیس المجلس الاعلی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة
حوار مع آیة الله التسخیري رئیس المجلس الاعلی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة

یعیش العالم الاسلامي حالة رجوع الی الهویة الاسلامیة بعد غفوة وغفلة استمرت عقود من الزمن والیوم نشاهد انتفاضة الشعوب ضد الطغاة والدکتاتوریات التي سلطها الاستعمار علی رقاب المسلمین وقد انتجت الثورات الاسلامیة والشعبیة سقوط عدد من الانظمة العمیلة والمستبدة وهي مستمرة بشکل وآخر من اجل تحقیق العدالة والحریة وحاکمیة الامة وفق مبادئ السماء والشریعة الاسلامیة المنسجمة مع الفطرة الانسانیة لتؤکد أن للحق دولة وللباطل جولة وأن المستضعفین هم الحاکمون بالنهایة کما قال رب العزة والجلال:( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ...) و بعد مرور عقد من الزمن علی تولي سماحة آیة الله التسخیري أمانة عام المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیة؛استعرضنا في لقاء ودي بعض ماخفي علی کثیرین من الجهود المبذولة والمصاعب المنهکة والآمال المبشرة بالخیر في مسیرة التقریب الی یومنا هذا وقد تطرق سماحته الی؛ أهم انجازات الحرکة التقریبیة المعاصرة وما واجهته من تحدیات وموانع شائکة،قبل انتصار الثورة الاسلامیة في ایران،والنتائج الباهرة لهذه المسیرة بالخصوص بعد اقامة المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیة شاکرین سماحته اتاحة الفرصة وسعة الصدر وصراحة القول وحسن الإجابة.
صاحب السماحة لو سمحتم نودالحدیث في هذا اللقاء حول محورين اساسيين، المحور الاول یتعلق بحرکة التقريب المعاصرة في القرن الاخير و المحور الثاني حول نشاط المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلاميةفي الفترة الاخیرة. 

بالنسبة الی حركة التقريب المعاصرة نتمنی أن نعرف ماهي الدوافع و الاسباب التي دعت المصلحين الصلحاء في القرن الاخير ان يتحرکوا ــ في ظروف قاسیة و بالقوة والارادة الصلبة المذکورة تاریخیا ــ لترويج هذه الفكرة اي الفكرة التقريبية و أیضا ماذا هو القصد من التقریب وأي معنی کان یسعی لترسیخه هولاء من الفکره التقريبيه في اوساط الأمة الاسلامیة؟

• آية الله التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
اتصور ان الدوافع تکمن في عنصرين متکاملين، العنصر الاول هو ان الثقافة الاسلامية في مجموعها ثقافة قرآنية وروح التشريعات الاسلامية کلها ترکز علی وحدة الامة. القرآن الکريم سلک مختلف السبل لتحقيق هذه الوحدة. خاطب الامة کلها بخطاب واحد و عين لها محور وحدتها و هو ما نفهمه من الآية الکريمة " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا... " حبل الله ما نفهمه هو الطريق الموصل قطعاً الی الله. 

يتجلی في القرآن الکريم باعتبارة کتاب اللة تعالی الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لامن خلفه و هو ایضا السنة النبوية الشريفة التي توصل الی الله تعالی و هو ايضاً سيرة المعصومين من اهل البيت فهم السبل لمعرفة الاسلام و بالتالي سبل مضمونة الوصول الی الله تعالی و حبل الله کل طريق يوصل الی الله تعالی بالحد الاعلی، فالقرآن الکريم يطلب من الأمة ان تلتف جميعها حول هذا الحبل و تسلک هذا الطريق و هو من جهة ايضاً قد ذم التفرقة ذماً شديداً،إن القرآن الکريم يقول بعد آية الاعتصام " وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ..." اذاً التفرقة هي کفر، هي عذاب، هي انحراف عن سبل الله تعالی و في آية اخری يجعل التفرقة عذاباً افقياً يقابل العذابات النازلة علی الانسان من السماء و من تحت ارجلهم. الآية تقول " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ. فإلالباس و التلبيس شيعاً يعني التمزيق و التفريق الي شيع و اقسام. وکما ذکرت لقد اتبع القرآن شتی الطرق للدعوة الی الوحدة،و من السبل التي سلکها القرآن لهذا المعنی تذکره بأن الأعداء اتحدوا ضدکم رغم ان قلوبهم متنافرة. 

فالقرآن يصرح " وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير"، " وقوله" الا تفعلوا" يعني ان لم تقيموا فيما بينکم ولاية مشترکة و ترابطا ولائياً مشترکاً ، ان لا تفعلوا تکن فتنة و فسادا في الارض، سوف تغرقون في الفتنة و الفساد الکبير. انا لا اريد ان استعرض کل الآیات الواردة فی هذا المجال.
وأما النبي العظيم (ص) بدأ بخطوات الوحدة،منذ انتقاله الی المدينة، اقام المسجد، جعل الاذان، ميز المسلمين بقبلة مستقلة عن قبلة اهل الکتاب طبعاً بأنباء من الله تعالی و رکز علی الاخوة الاسلامية بشکل دقيق حتی کان المومن يرث اخاه المومن الی أن نزلت الآية القرآنية التي تجعل محور الإرث هو قضية الرحم، " وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ..." إذاً النبي الكريم أكد علی الوحدة و اهل البيت عليهم السلام اکدوا علی الوحدة،هنا اريد التأکید علی أن ثقافة التشريع الاسلامي تؤكد علی الوحدة ،عندما نجد أن حقوق المسلم علی المسلم واحدة و عندما نجد ان مسؤولية المسلم تجاه الآخرين واحدة وخطاب التشريع الاسلامي كله يتجه للأمة كلها،وروح التشريع ايضاً روح واحدة، بعد كل هذا، فالوحدة اذاً مطلب اسلامي عظيم، و الأمة الاسلامية ان لم تكن موحدة فإنها تفقد خصائصها القرآنية، هذا هو العامل الأول "ان الثقافة الدينية كلها هي ثقافة الوحدة" وان قضية التقريب بين المذاهب هي في الواقع سبيل من سبل تحقيق هذه الوحدة لأن التوافق الفكري مقدمة للإنسجام العملي وعندما نقول التقريب الفكري لأننا لانستطيع ان نقول الوحدة الفكرية،حیث لايمكن ان تتحد الأفكار و لا ان لا تختلف قيد أنملة هذا امر مستبعد جداً بإختلاف زوايا النظر وبإختلاف اسلوب الإستنباط وما الی ذلك فنقول التقريب يعني التركيز علی المشترك وتوسعته عبر الحوار المنطقي والتعاون في تطبيق المساحات المشتركة واذا بقيت خلافات وهي باقية فيعذر بعضنا الآخر في ذلك. فالتقريب سبيل من سبل الوحدة الاسلامية ،وهذا هو الداعي الأصيل و الأول. 

طبعاً هناك دواعي أخری للتركيز علی قضية الوحدة الاسلامية هذه الدواعي يمكن القول ان بعضها سياسي بعضها مصلحي وان بعضها حالة فطريةو طبيعية فمن الطبيعي الذین يعتقدون بطبيعة واحدة و يسلکون سلوكاً واحداً، شكلوا مجتمعاً واحداً بالاضافة إلی حالة الإصطفاف الذي يملكه الأعداء ضد الأمة،فانه يدفع الأمة لأن توحد جهودها لمقابلة التحديات و يتأکد هذا اذا كانت الأمة تمتلك مثلاً عملیا في اهدافها فالقرآن عندما يجعل الأمة الاسلامية خير أمة اخرجت للناس وعندما يجعلها الأمة الوسط والشاهد حضارياً علی الامة، تحقيق هذه الاهداف لا يمکن ان تتم بدون وحدةالامة. هذه الاهداف والدوافع يمكن القول انها ثانوية لتحقيق الدافع نحو الوحدة الاسلامية.

• التحریر:
كما تفضلتم سواء كانت الدوافع و الأسباب أولية أو ثانوية كلاهما تبدو كأنها من بديهيات الثقافة الاسلامية مع العلم أن الذين قادوا حركة التفرقة والتمزق ليسوا من الجاهلين بهذه الثقافة،إذاً ماهي الأسباب التي جعلت هؤلاء يغفلون عن بديهيات وعن ضروريات الفكر الاسلامي و ضروريات المنطق و الخطاب القرآني، ما هي الأمور التي جعلت هؤلاء أن یبتعدوا عن هذا المنطق خلال هذه القرون التي سلفت وكما تعرفون بأن هذه التفرقة کلفت المجتمع الاسلامي أن یتکبد خسائر كبيرة في الأنفس و الدماء و الأرواح و الأموال و الثروات وحتی في الفكر مما ادی الی کتابة ونشر و طباعة كثير من الكتب التی ولدت العداء والضغینة بین المسلمین وجرٌت المجتمع الاسلامي الی التمزق والتفرق، مع وضوح و بديهية هذا الخطاب لماذا هذا التفرق والتمزق خلال قرون الماضية؟


اني اعزو هذا الی دوافع اخری ايضا. هناك دوافع سياسية قد تصل الی الحد الذي ينسی فيه المسلم، هذه الثقافة الوحدوية للاسلام وهناک دوافع مصلحیة شخصية، وتکتل و تحزب دعی الی هذا المعنی،و هناك دوافع في الواقع فکرية. هذه الدوافع الفكرية ايضا تدعو الی انعزال الانسان المسلم عن اخيه المسلم بحیث يخرجه من دائرة الاسلام.من جملة هذه الدوافع الفكرية،كان يتصور احدهم ان من لوازم قول بعض الجماعات بالشفاعة مثلا الشرك و قول بعض الفرق بالتوسل بالصالحين یستلزم الشرك بالله تعالی او من لوازم اي فكرة اخری الكفر وان ذلك يترتب علی هذا التصور ، تصورات ثانويه اخری فيقول ما دام يقول بهذا القول فهو اذاً مشرك واذا كان مشرك فهو خارج من الامة واذا كان خارجا كان واجبا عليه قتاله وحينئذ تحدث هذه النزاعات السخيفة، و حصول هذا الحالة الانحرافية . 

إن من اصول التقريب ان لانحاسب الانسان علی لوازم قوله، لان الانسان قد لايلتزم بهذه الملازمة،لان الانسان عندما يعتقد بالشفاعة فهو قدلايلتزم بهذه العلاقة اللزومية وبالعكس قد يری ان الشفاعة حالة توحيدية و التوسل حالة توحيدية وکما ان هناك خلاف في قضية الصفات لدی العلماء وهل تضاف الی الذات الالهية او عين الذات، القائلون بالوحدة ينطلقون من مفهوم توحيدي والقائلون بالغيرية ايضا ينطلقون من مفهوم توحيدي، القائلون بالغيرية یعتقدون ان عدم اثبات الصفات الالهية يعني تعطيل العمل الالهي وهذا يعني أن الذات الالهية ليست فاعلة، والقائلون بتوحيدها، یعتقدون ان القول بالوحدة يعني ان الذات مؤثرة بنفسها مؤثرة دون ان يضاف اليها صفة اخری، لااريد ان ادخل في هذه النزاعات،ولکن ارید الاشارة الی ان المختلفین قد ينطلقون من منطلق اللوازم، و كل منهما يصف الاخر بلوازم شركية فالقائلون بوحدة الذات و الصفات یقولون جعلتم لله صفات قديمة وركبتموهاعلی الذات الالهية البسيطة وهي لاتقبل التركيب فالقول بهذا المعنی يعني انكار الذات الالهية يعني الالحادو الشرك، و اما القائلون بالتركيب یستدلون بطریقة اخری یتهمون الطرف الآخر بالشرک والالحاد وفقا لمستلزمات موحدة للذات والصفات والتي تفقد الفاعلیة من الذات الالهیة. اريد ان اقول لا يمكننا ان نكفر الانسان بلوازم قوله لانه قد لايلتزم بالملازمه وعندما لايؤمن بالملازمة لايخرج عن الطاقم التوحيدي. فمن الاشياءالخطيرة هي ان يبدأ الانسان بتكفير من يخالفه باعتبار ان من لوازم عقيدته الكفر ثم يحاسبه علیها. 

تماما هي قضية البدعة؛ البدعة ما خالف الكتاب والسنة عندما يختلف عالمان في قضية ما في الواقع يری كل واحد الطرف الآخرعمل خلاف الكتاب السنة وفق اجتهاده فيبدأ الآخر بتبديعه ايضا ويقول انت خلاف الكتاب والسنة .
ومن الدوافع لايجاد الموانع و التفرقه او الدافعة للتفرقة ، الاهانة وهي لها دوافع عاطفية سلبية عند ما يبدأ مذهب في اهانة رموز المذهب الآخر فيرد الآخر بعاطفية سلبية ، يهين المذهب الآخر وهلما جرا ، فتبدأ عناصر التنافر والتباعد تتعامل في مابينها ویحصل الشقاق والنزاع. اذا اردنا ان نلخص هذه العوامل يجب ان نقول ان هناك عوامل داخلية ذکرنا قسما منها وعوامل خارجية،اما العوامل الخارجية هي؛ المؤامرات التي يقوم بها اعداء الامة للتفريق واستغلال هذه الفرجات ومن العوامل الداخلية ایضا تحويل الخلافات السياسية الی خلافات اجتماعية ومسئلة تأثير المصالح و قد شاهدنا ان الحكومات علی مدی التاريخ الاسلامي عملت علی تمزيق الشعوب و تحريك المذاهب ضد بعضها لمصالح شخصية للحكام وهناك دوافع كما قلنا فكرية منحرفة ... هذه مجمل العوامل التي تأدي الی ان الانسان ينسی ذلك الهدف الكبير او أن يعتقد أن من واجبه أن يفرق و يطرد الآخر لتبقی العقيدة نظيفة ويبقی المجتمع الاسلامي نظيف من وجهة نظره وبالتالي تتمزق الامة.

• التحریر:
بالنسبة الی آثار هذه الحركة التقریبیة التي انطلق منها العلماء و الرواد التقريبیون في القرن الأخير حتی انتصار الثورة الاسلامية وبالاحری قبل تأسيس المجمع العالمي للتقريب المذاهب الاسلامية اود ان اعرف ما هي ثمار هذه الحركة و هل استطاعت ان توجد تغييراً في اوساط المجتمع و ماهي اهم المحطات التي يمكن ان يشير الانسان الیها في مسيرة هذه الحركة التقريبية.
• آية الله التسخيري:
جذور الحركة التقريبية موجودة في الاصول و النصوص الاسلامية، القرآنية والحديثية وفي سلوكات القادة، بكل وضوح،إن الاسلام عيّن حدوداً واضحة وبيّنة، لأن الاسلام بينات، الآية القرآنية تقول:« شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ »
بينات وقواعد بيّنة وواضحة وفيها كل الهدی و فيها كل التفريق بين الحق والباطل، الاسلام رسم دائرة واضحة المعالم و بيّنة الاقسام و وضّح الاصول التي من آمن بها دخل في دائرة الامة و من رفض بعضها خرج من دائرة هذه الامة؛ التوحيد، الايمان بالنبوة الايمان بكل ما اخبر به النبي من الاصول المتفق عليها القرآن و السنة المعاد وكل التعليمات الاسلامية الثابتة. أيُّ انكار لها يعني انكار النبوة، و انكار النبوة يعني انكار الوحي الالهي و التوحيد الالهي، هذه الاصول المعروفة من آمن بهادخل في اطار الأمة و من انكر بعضها كأنه انكر كلها، وخرج من هذه الامة . فمن جهة حدّد الدائرة، وبعد ذلك في داخل الدائرة، فسح المجال لاختلاف الآراء ، اختلاف الآراء مسموح به شرعاً وفق الضوابط. الاسلام قرر ان الاجتهاد حر، الاسلام قرر الحوار لمن يمكن له منطقياً وفي القرآن اعظم نظرية للحوار المنطقي الانساني، الاسلام قرر العقلانية في التخاطب، ورفض التعصب والغضب و التعسف والجدل العقيم و فسح المجال لاختلاف الآراء. ليست لدينا آية ولاحديث ولانص يقول لاتختلفوا في الآراء، النهي كله منصب علی النزاع العملي والاختلاف الذي يؤدي الی النزاع العملي.اذاً الدائرة محددة للامة، الدخول فيها واضح و الخروج منها واضح و ليس الاختلاف النظري مؤدياً للخروج من هذه الامة الا اذا تم انكار تلك الاصول. فمسئلة التقريب مسئلة موجودة في الثقافة الاسلامية أعني الی جانب كل هذه الامور هناك تربية للانسان علی ان يكتشف المشترك مع الآخر عندما تقول الآية "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ..." تعني ان نتفق علی الاصول، علی القواعد الكبری وتبقی الخلافات جانبية. 

هذه الثقافة، غير مخصصة مع اهل الكتاب فقط بل مع كل انسان، لو اشترك انسان معنا في عقيدة واحدة أوفي نظرة واحدة ويكون تركيزنا علی هذه النظرة الواحدة النافعة للمجتمع لعقدنا معه الحوار و اتخذنا منه هذ الموقف.
اذاً انا اعتقد التقريب له جذوره في الاصول الاسلامية لكنه كحركة علمائية منظمة بدأ في منتصف القرن العشرين، لاانسی أن اقول ان تعامل العلماء علی مرّ التاريخ في ما بينهم كان تعاملا تقريبياً فاختلف الكثيرون مع الامام الصادق(ع) ولكنهم كانوا يجلّونه غاية الاجلال لقد کان الامام ابو حنيفة يفتخر بسنتين تعلم فیها علی يد الامام الصادق والامام مالك كان يفتخر بتتلمذه علی يدالامام الصادق والامام الشافعي يقول الشعر حبا و عشقاً باهل البيت، والامام احمد بن حنبل نقلت عنه تجليلات رائعة في حق اهل البيت حتی أن ابنه عبدالله يقول كنا نتحدث في قضية الخلافة والامام علي هل كان يليق بها ام لا يليق، فخرج علينا ابي و قال "مالكم ان الخلافة لاتزن علياً و لكن علي زانها" . 

وقد نقل الامام احمد بن حنبل الكثير من احاديث الغدير في موطئه، هؤلاء كانوا يختلفون مع ائمة اهل البيت في مواقفهم و لكن يجلونهم، فالاختلاف الفكري لايمنع عن التجليل و الاكرام.
نقول ان التقريب كان جارياً بين عقلاء العلماء علی مدی التاريخ وهناك حديث مفصل في هذا الموضوع، لكن كحركة منظمة جاءت في اربعينیات القرن العشرين حیث اجتمع العلماء من الشيعة والسنة، شيوح الازهر وعلماء قم و النجف وقاموا بهذه الحركة المبارکة وكان عملهم وجهدهم مشکوراً فاصدروا سلسلة رسالة الاسلام، صدرمنها ستون عدد ونشرت الثقافة التوحيدیة والتقريبیة وقاموا بطبع بعض الكتب من قبل المذاهب المختلفة وافتوا بشرعية المذاهب الخمسة و قاموا باعمال عل الساحة العامة في الحج وامثال ذلك . واتخذواخطوات تقريبية جيدة لكن مع الاسف في مطلع السبعينات وما بعد، خفت صوت حركة التقريب وقل تأثيرها بارتحال زعمائها او انزوائهم عن الحياة. 

المصدر : رسالة التقریب العدد ٩٢