حديث التقريب ... الطواف برؤية إحيائية

حديث التقريب ... الطواف برؤية إحيائية

حديث التقريب … الطواف برؤية إحيائية

طواف حجاج بيت الله الحرام هذه الايام حول البيت العتيق يدعونا الى التأمل في هذه الحركة الدائرية برؤية مقاصدية، أي برؤية تصبّ في المقصد الاساس لرسالات السماء. القرآن الكريم يقرّر هذا المقصد بقوله سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

الطواف بهذه الرؤية يعني أن يكون محور حركتنا في الحياة هو الله سبحانه، فالناس بطبيعتهم يتحركون حول محور معين في حياتهم.

هذا المحور قد يكون الاهواء الهابطة: (أرأيت من اتخذ الهه هواه) وقد يكون المحور واحداً من المقاصد الدنيوية المحدودة، وهومقصد (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده) والمحور ا لذي يستحق لخليفة الله أن يدور حوله هو رب العالمين. والطواف تركيز على هذه الحركة لا مرّة واحدة بل سبع مرّات، ليترسّخ هذا المفهوم في نفس الطائف ذي البصيرة.

استلام الحجر أو الإيماء إليه بالتكبير له دلالة على التسليم المطلق لما أضفى الله عليه من صفة القدسيةحتى ولو كان حجراً. والتقديس هنا ليس تقديساً اعمى بعيداً عن العقلانية، لأنه رمز للطاعة التامة لما أمر به رب العالمين. هذه الطاعة تبعد الانسان عن الغلوّ في (الانا) كما غلا إبليس حين خاطبه ربّ العالمين: (ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك) أجابة بغرور (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين).

والغلوّ في (الانا) هو وراء كل ما مُنيت به البشرية من طغيان الطغاة وتجبّر الفراعنة في التاريخ.

والحركة في الطواف يجب أن تكون موحدة في اتجاه دائري واحد، ولا يجوز التخلّف عن هذه الوحدة في الحركة، وهي ايضا رمز من رموز وجوب حركة الامة بشكل منسجم موحّد نحو الكامل المطلق، وكما أن الوحدة في اتجاه الصلاة واجبة صوب بيت الله دون سواه كذلك الطواف حول البيت تجب فيه وحدة الحركة نحو الكامل المطلق.

ولو وَعى المسلمون على ضرورة هذه الوحدة في الحركة لما دبّ فيهم الاختلاف والشقاق والنزاع، ولما اختلفوا في مواجهة العدوّ الصهيوني... هذه المواجهة التي تستدعي أن يكونوا قلباً واحداً ويداً واحدة على من سواهم.

هذا التطبيع الذي يتسارع اليه المهزومون  إنما هو حركة متعارضة مع ما أمر به ربّ العالمين من الوقوف الموحَّد بوجه الظالمين ونصرة المظلومين، إنها حركة مخالفة لحركة مصالح الامة وكرامة الأمة وعزّتها.

وهكذا كل موقف أو حركة لا تصبّ فيما أمر الله به من عزّة السائرين على طريقه.

ولإكمال الطواف تجب الصلاة خلف مقام إبراهيم، وابراهيم هو أبو الانبياء، وهو الذي رفع القواعد من البيت واسماعيل وهو الذي دعا ربه بقوله: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرجيم).

أمتنا المسلمة ذات جذور عريقة ضاربة في التاريخ، ومناسكها هي تأكيد الارتباط بابراهيم وإسماعيل وذريتهما.

هذا الشعور بالارتباط بتاريخ الأنبياء والصالحين في التاريخ يزيد الإنسان المسلم إحساساً بأصالته الإنسانية الإلهية وامتدادها العميق على مرّ التاريخ.

منسك الطواف وحدَه إن أدّاه المسلمون بوعي قادر على أن يقدم الدروس في الوحدة وفي العبودية. وفي الارتباط بمسيرة الانبياء والصالحين في التاريخ.  وقادر أن يجعلهم يترفعون عن السقوط في الخلافات القومية والطائفية ليصبحوا أمة واحدة كما  اراد سبحانه: (إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).

 

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الشؤون الدولية