حديث التقريب ..
انتصار آخر للتقريب
من الطريف أن إعلان عودة العلاقات بين إيران والسعودية، قد اقترن بإقامة مؤتمر اقليمي في بغداد برعاية الوقف السني العراقي تحت عنوان : «المسلم أخو المسلم»، وجاء الاعلان ليبشّر بخطوة عملية كبيرة على طريق تحقيق أهداف المؤتمر.
عودة العلاقات بين طهران و الرياض، هي خطوة رحبة على طريق إحلال السلام والوئام، وإزالة أزمات العالم الإسلامي، وهي أيضًا مكسب جديد للقضية الفلسطينية التي تحتاج اليوم إلى تكريس الجهود من أجل نُصرتها.. وهي كذلك أفق جديد للتغلب على تحديات الهيمنة الأمريكية على المنطقة؛ والمهم أيضًا، هي انتصار لأهداف التقريب بين المذاهب الإسلامية و وحدة الأمة، وإحلال الأخوّة بين شعوبها.
من الطريف أن إعلان عودة العلاقات بين إيران والسعودية قد اقترن بإقامة مؤتمر اقليمي في بغداد برعاية الوقف السني العراقي تحت عنوان : «المسلم أخو المسلم» وجاء الاعلان ليبشّر بخطوة عملية كبيرة على طريق تحقيق أهداف المؤتمر.
لقد مرّت سنوات عجاف على القطيعة بين البلدين استغلها أعداء الأمة الإسلامية أشنع استغلال؛ ففي أجواء هذه القطيعة راحوا يوحون بأنها صراع طائفي بين السنّة والشيعة، وفي أجواء هذه القطيعة نشط أعداء البلدين، بل أعداء الأمة في تعميق هواجس الخوف والتشكيك وهدم جسور الثقة بينهما.
وفي هذه الأجواء التي تصور بطبيعتها ضعف العالم الإسلامي، راجت حركات التطبيع وتيارات الهيمنة الأمريكية إعلاميًا وثقافيًا وعسكريًا، كما تَشَجّعَ العدوّ الصهيوني على الإمعان في القتل والهدم بحق أهلنا في فلسطين.
إنها عودة مباركة لكنها مهدّدة بمخاطر لابدّ من التعامل معها بيقظة وحذر وبصيرة.
أول هذه الأخطار هو الإثارات الطائفية التي تحاول استفزاز كل جانب تجاه الآخر. هذه الإثارات، التي نسمعها ونشاهدها كل يوم عبر وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة ومواقع التواصل الاجتماعي، يقف وراءها أعداء الأمة بكل طاقاتهم المادية والتقنية ويسخّرون لها المأجورين والتافهين السطحيين من ابناء السنّة والشيعة.
إن العدوّ الصهيوني الذي أبدى امتعاضه ورفضه لعودة العلاقات بين إيران والسعودية سوف يضاعف جهوده القائمة ويطوّرها من أجل إثارة الشكوك وتعكير الأجواء ومصادرة المكتسبات.
والخطر الآخر الذي يهدد هذه الخطوة المباركة، هو الإثارات القومية؛ إن خطة أعداء الأمة اقتضت تجزئه العالم الإسلامي إلى قوميات متصارعة، واقتضى ذلك أن يصوّروا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها تستهدف التوسّع والتمدد في العالم العربي لفرض تفوقها القومي على العرب!!!
الخطر الطائفي لابد من مواجهته ضمن مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية
من لطف الله على هذه الأمة، أن هذا المشروع لقي منذ أمد بعيد ترحيبا من الشيعة والسنّة وخاصة من الأزهر الشريف والمرجعية الشيعية في النجف وقم، ونهضت الجمهورية الإسلامية منذ انتصار ثورتها بجهود جبارة على هذا الطريق ومنها تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بنشاطاته العلمية والثقافية والاعلامية المتنوعة، وتأسيس جامعة المذاهب الإسلامية لتوجية النشاطات العلمية في حقل القرآن والحديث والفقة والكلام نحو تحقيق هدف التقريب، إضافة إلى مواقفها المعروفة المشهورة في دعم القضية الفلسطينية والمبرّأة من أي توجّه مذهبي.
ومصر، التي تفخر بأنها أقامت أكبر مؤسسة للتقريب متمثلة بدار التقريب بين المذاهب الإسلامية، لايزال أزهرها الشريف يواصل السير نحو هذا الهدف، وليس ببعيد عنا دعوة شيخ الأزهر من البحرين بضرورة الحوار بين السنة والشيعة، هذه الدعوة التي لقت صدى واسعًا في العالم الإسلامي، وفي أعقابها أعلن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية عن شكره وتأييده وتثمينه لهذه الدعوة وعن استعداده لأن يضع إمكاناته كلها لإنجاح هذا المسار.
لقد سمعنا مرارًا من المملكة العربية السعودية دعوات للتقريب والوحدة، ونرجو أن تكون عودة العلاقات فرصة لتنضم السعودية أيضًا إلى مجموعة الداعين إلى الوحدة والتقريب، ليكون الحديث عن (المنطقة الأقوى) بدلاً من الحديث عن (الدولة الأقوى) في المنطقة.
وخطر التجزئة القومية يجب مواجهته في إطار تركيز مفاهيم الدائرة الحضارية الواحدة من طنجة الى جاكارتا، وهذه الدائرة الحضارية الواحدة مشتركة في الجذور والتاريخ وفي مايواجهها من تحديات، وأن العالم يتعامل معها بأنها تشكل حضارة إلى جانب الحضارات القائمة كما ذهب إليه هنتگتون وغيره من المفكرين الاستراتيجيين .
لابدّ من أحياء المشتركات بين هذه الدائرة الحضارية الواحدة في الأفكار والعواطف والعادات والآداب والتاريخ.
إنّ (وحدة) الأمة هي الركن الذي يلي (التوحيد) فقد بني الإسلام – كما قيل وحقًا ما قيل – على ركتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
ولا جهد يرضي الله سبحانه ويبارك فيه أعظم من الجهد في سبيل تحقيق قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ وقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ .
وفقنا الله للسير على طريق مرضاته وعزّة خلقه والاصلاح بين عباده وإحلال السلم في ربوع أرضه إنه تعالى ولي التوفيق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية