حديث التقريب.. ولادة الرسول (ص) ولادة أمة

حديث التقريب.. ولادة الرسول (ص) ولادة أمة

احتفلت الأمة الإسلامية بأسبوع المولد النبوي الشريف، وفيه أحيت ذكريات ولادة الهدى وضياء الكائنات وتبسم الزمان وثنائه. ومن حق الرسول(ص) على أبناء هذه الأمة أن يعيشوا العطاء الذي منّ الله عليها بانبثاق نور النبوّة، والمولد الشريف فرصة تذكّر هذا العطاء، واستلهام هذا العطاء، لحاضر هذه الحياة ومستقبلها.


في ذكرى المولد قبل أيام، التقى جمع غفير من المسؤولين والعلماء والمفكرين وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية بالسيد القائد، وألقى فيهم كلمة ركز فيها على ضرورة السعي لإقامة الأمة الواحدة، واستعرض ما تعانيه الشعوب الإسلامية اليوم من تفرّق وتمزّق وصراع، وما ينزل بها من دمار وقتل وتشريد على يد الصهاينة ومَنْ وراءهم، وعلى يد عملاء الصهاينة والاستكبار العالمي؛ وأعاد سماحته القول، بأن :

"كل ما يحيط بالمسلمين من مآسٍ و ويلات إنما هو بسبب غياب الأمة الواحدة".
لو كنا أمة واحدة لما تجرّأ الصهاينة أن يمارسوا هذا الذي يمارسونه في غزّة وفي فلسطين عامة.
لو كنّا أمة واحدة لما تجرأ طغاة العالم أن يسيطروا على مقدراتنا وانتهاك حرماتنا.
لو كنّا أمة واحدة لكان الجرح الذي ينزل بأي جزء من هذه الأمة يحفّز بقية الأجزاء لأن تهبّ للمواساة بكل ما تملك من نفس ونفيس. لكنا كالجسد الواحد «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".

تأكيد السيد القائد على مفردة "الأمة الواحدة"، يستدعي أن يهبّ المفكرون والعلماء والفنانون وكل ذوي التأثير الاجتماعي أن يفكروا بجدّ أكثر من ذي قبل في سبل التوجه إلى تحقيق هذا الهدف الكبير؛ وهل في حالة التمزق هذه من الممكن الوصول الى هذا الهدف؟! تجارب الماضي والحاضر تؤيد هذا الامكان.

في ماضي أمتنا الاسلامية شاهدنا أن انبثاق نور النبوة في الجزيرة العربية قد حوّل القبائل المتناحرة المتصارعة المتعادية الى (أمة) ﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.

وهذه الأمة سجلت في القرون المتوالية من تاريخها أعظم صور المواساة بين أجزائها، حتى في زمن انقسام العالم الإسلامي إلى دول وإمارات كانت المواساة بين أجزائها قائمة بشكل قوي. ففي الحروب الصليبية كانت الأمة تهبّ للدفاع عن أي ثغر من ثغور المسلمين يتعرّض للخطر. مظاهر الأمة الواحدة كانت قائمة في حقل التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والعلمي.

ومرّت على هذه الأمة ظروف أفقدتها هذا الإحساس بالأمة الواحدة. وأسوأ هذه الظروف ما شاع بين المسلمين من عصبيات طائفية وقومية واقليمية، وكان وراء هذه الحالة المزرية أعداء الأمة، وماشاع بين المسلمن من جهل وابتعاد عن روح الرسالة النبوية.

العودة الى "الأمة الواحدة"، يسندها رصيد كبير من القرآن والسيرة النبوية، وله رصيد كبير من الحالة القائمة التي لا تسرّ المخلصين لشعوبهم وأمتهم؛ فالحج لِوحده إن استُثمر عطاؤه يستطيع أن يغذّي سنويًا مفهوم الأمة الواحدة، ويشحن عواطف المسلمين ومشاعرهم وأفكارهم بهذا المفهوم، وهكذا سائر العبادات.

بعد ذلك أمامنا تجربة (الاتحاد الاوربي) فقد اتحدت أوربا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بعد ما رأت في ذلك ضرورة حياتية لها، اتحدت وتجاوزت كل ماكان بينها من صراع وحروب دموية ذهب ضحيتها الملايين من الشعوب الأوربية خاصة في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولا يفوتنا أن نذكر بأننا أبناء (دائرة حضارية واحدة) من طنجة الى جاكارتا، وأن الغرب نفسه يعترف بذلك على لسان هنتغتون في كتاب (صراع الحضارات)، وفي هذه الدائرة الحضارية توجد كل مقومات الاستنهاض وبناء الحضارة الإسلامية الحديثة.

مع كل ما يحيط بنا مِن تمزّق وما يُفرض على الأمة من ضغوط من أجل أن لا تتواصل ولا  تتواسى فإننا نرى ما تشهده بلدان العالم الإسلامي بل العالم بأجمعه من مواساة لأهلنا في غزّة، وخاصة ما ينهض به محور المقاومة من دفاع أمام الصهاينة ومن يقف وراءهم ومن الامريكان وحلف الناتو.
إذن (المولد النبوي الشريف) فرصة لأن نستذكر ماضينا و واقعنا وأن نحثّ الخطى على طريق الهدف الإسلامي الكبير: (الأمة الواحدة): ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية