المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية
حديث التقريب ... عشرة الفجر
حديث التقريب ... عشرة الفجر
في الأول من شهر فبراير عام 1979 أي قبل ثلاثة وأربعين عامًا عاد الإمام الخميني من منفاه إلى أرض الوطن ليبدأ العدّ العكسي لانهيار نظام الشاه، ولم تمض سوى عشرة أيام حتى أُعلن انتصار الثورة الإسلامية في إيران وانهيار نظام الشاه نهائيًا، وسُميت تلك الأيام العشرة باسم «عشرة الفجر».
كان ذلك حدثًا تاريخيًا عظيمًا هزّ العالم، وغيّر كثيرًا من المعادلات السائدة في الساحة الدولية، ودبّ الأمل في نفوس الشعوب بشأن إمكان انتصار الدم على السيف وغلبة الحقّ على الباطل، وبشأن قدرة الشعوب على الوقوف بوجه مذلّيها ومنتهكي كرامتها.
ونقف بهذه المناسبة عند محطتين من آلاف المحطات التي تستحق كل واحدة منها أن نقف عندها طويلا لنستخلص العِبر والدروس التي تحتاجها شعوبنا اليوم وهي تواجه ألوان التحديات وتشقّ طريقها عبر أمواج من الفتن والمؤامرات.
المحطة الأولى
هي إن الشعب إذا أراد يومًا الحياة فلابدّ أن تستجيب له كل سنن الكون والأقدار، فهذه مشيئة الله بأنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الشعب ثار بيد خالية ضد أعتى نظام مسنود من أمريكا والغرب والكيان الصهيوني في المنطقة، ومجهّز بأحدث وسائل القمع، فحقق النصر المؤزّر، ثم سار بخطى متسارعة لتنفيذ شعاره الذي رفعه طوال أيام الثورة: (استقلال – حرية – جمهورية إسلامية) بعد الانتصار راهنت قوى الاستكبار والصهيونية على عدة أمور من أجل إحباط الثورة. منها إنّ الإمام الخميني وانصاره والشعب الملتف حوله سيكونون أمام نظام منفرط ولا يستطعيون إقامة النظام البديل القادر على إدارة أمور البلاد.
لكن الذي تحقق هو أن الإمام دفع البلاد بعد الانتصار إلى استفتاء تلو استفتاء وانتخاب تلو انتخاب ليقيم دولة كاملة الأركان قائمة على أساس إرادة شعبية دينية على مستوى متطلبات العصر.
ومنها إن الجيش المنفرط سيجمع قواه وينقضّ على الثورة ويقضي على رجالها، لكن هذا الجيش أعلن ولاءة للإمام ولقاده الجمهورية الإسلامية وأسدى بفضل الله خدمات كبرى لإحلال الأمن والدفاع عن الثغور.
وراهنوا أيضًا على هجوم تشنه أمريكا بحجة إنقاذ رهائن السفارة الأمريكية السابقة وتقضي على مراكز اتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية، وفعلاً شنوا هذا الهجوم في ليلة ظلماء والناس نيام، ولكن عين الله لم تنم، فأرسل سبحانه على المهاجمين عاصفة رملية أسقطت طائراتهم في صحراء طبس وجعلتهم كعصف مأكول.
وراهنوا أيضًا على استغلال فرصة الطموح الجنوني لنظام صدام، فشجعوه على شنّ حرب على الجمهورية الإسلامية الفتية، وانزلق صدّام في الفخّ الذي له نصبوه، وشن حربًا استمرت ثماني سنوات مُني فيها هو ومن ساندوه ودفعوه إلى هذه المحرقة بالخسران المبين، ثم شجعوه على أن يهجم على الكويت.. وكان ماكان من إبادة الجيش العراقي – مع شديد الأسف – على يد الأمريكيين المشجعين ثم إبادة العراق، وأخيرًا إيقاع صدام في حفرة وسلموه إلى حبل المشنقة.
وراهنوا أيضًا على إثارة الحزازات القومية.. وراهنوا على إثارة العصبيات الطائفية.. وراهنوا على الفصائل المسلحة المموّلة من أمريكا مثل كوموله وداعش ونظائرها.
وراهنوا ولا يزالون يراهنون ولكنهم في كل ذلك:
كناطح صخرة يومًا ليُوهنها فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوعِلُ
إنها المعجزة.. المعجزة بكل ما للكلمة من معنى.. وهذا هو مصداق قوله تعالى:P إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ Oوموقف الصامدين أمام كل هذا المكر الاستكباري هو مصداق قوله سبحانه: P الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ... إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ O.
المحطة الثانية
هي إن الساحة الإسلامية شهدت لدى انتصار الثورة الإسلامية في إيران ارتفاعًا في المعنويات وفي الطموحات والأمل في المستقبل وفي المشروع الإسلامي مما جعل الشعوب الإسلامية تتعالى على الفوراق القومية والمذهبية والطائفية، فتعالت نداءات وحدة الأمة الاسللامية، وحدث بشكل مفاجئ وهائل تقاربٌ بين المذاهب والقوميات في العالم الإسلامي، وراحت الفصائل التي كانت تتحرك حتى الأمس القريب بنَفَس طائفي إلى أن تتخلّى عن طائفيتها وتتجّه إلى وحدة الأمة بكافة مذاهبها وقومياتها.
وهذا له دلالة كبرى ينبغي أن ندرسها بدقة ونشير فقط هنا إلى قاعدة هامة وهي إنه متى ما طرح المشروع الإسلامي بمعناه الرسالي الإنساني الكبير فإن الأمة سوف تلتف حوله وتدافع عنه بغضّ النظر عن انتماءاتها المذهبية والقومية.
وهذا ما حدث بالفعل، وما صدر آنذاك من مواقف وماكُتب من مقالات وأُلّف من كتب يشهد على ذلك.
وهذا ما أثار دهشة أعداء الأمة وخوّنهم من عودة الإسلام إلى ساحة الحياة، ومن نهوض المسلمين أمام مَنْ أذلّهم واستعمرهم وسيطر على مقدراتهم. فخطّطوا مستخدمين كل غرف أفكارهم، و وسائل إعلامهم وأجهزة استخباراتهم ليحجّموا الثورة وليبدّدوا الآمال ويثيروا العصبيات الطائفية والقومية، وما الحرب التي شنها نظام صدام على الجمهورية الإسلامية سوى واحدة من تلك المحاولات، وما الشعار الذي رُفع في تلك الحرب وهو القضاء على «الفرس المجوس»!! سوى إنه أريد لتلك الحرب إثارة العصبيات القومية وكأنها حرب بين العرب والفرس، وإثارة العصبيات الطائفية وكأنها حرب بين السنة والشيعة.
طبعًا شاء الله أن يبيّن للعالم زيف هذه الشعارات خاصة بعد أن شنّ نظام صدام حربه على الكويت. لكن الدرس يجب أن يبقى قائمًا في الأذهان وهو أن كل فرصة تتاح للعالم الإسلامي كي يتعالى فيها على العصبيات القومية والطائفية سيواجه مكرًا استكباريًا لإعادة هذه العصبيات ولإثارة النزاعات، ولكن: Pوَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ O.
نبارك للأمة الإسلامية هذه الذكرى.. ذكرى عشرة الفجر، ونرجو الله سبحانه أن يوفقنا جميعًا لرؤية صحيحة وبصيرة لا تعتريها شائبة لاستخلاص الدروس من هذه الذكرى لما ينفع واقع أمتنا ومستقبلها.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية