المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية
حديث التقريب..... بين المذاهب والطوائف
حديث التقريب
بين المذاهب والطوائف
المذاهب حالة طبيعية في كل مدرسة فكرية أو علمية أو فنية أو أدبية لأنّ الله سبحانه وتعالى شاء أن يخلق البشرَ مختلفين في الجنس (ذكر وانثى) وفي الانتماء الإقليمي (شعوبًا وقبائل)، وفي الألسن والألوان (واختلاف ألسنتكم وألوانكم).. وكل هذه الاختلافات من آيات الله ورحمته بعباده كي يتعارف البشر ويزدادوا نماء وثراء وتقدمًا. من هنا كان (اختلاف أمتي رحمة).
المذاهب ناشئة من طبيعة الفطرة الإنسانية المستقلة في التفكير وفي أسلوب الحياة رغم انتمائها إلى منشأ إنساني فطري واحد.
هذه هي المذاهب.. أما الطوائف فهي ناشئة عن عصبيات وذاتيات وأنانيات وضيق نظر.. وتختلف عن المذاهب كل الاختلاف.
المذاهب حالة علمية وفكرية تؤدي إلى تلاقح فكري بين المختلفين وإلى أخذ وعطاء وتبادل معرفي بينهم أو إلى (التعارف) بالتعبير القرآني.
في ساحة المذاهب نرى متكلّمًا ومستمعًا، والمستمعون فيها هم " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ". وفي ساحة الطوائف لا نرى إلا متكلّمًا. أحدهم يتكلم بلسانه، والآخر يتكلم بدماغه كي يردّ عليه. وليس هناك مستمع.
المثل الأعلى بين المذاهب هو الحق سبحانه، بينما المثل الأعلى بين الطوائف هو طاغوت النفس، وهذا الطاغوت يصمّ الآذان عن الاستماع. ومن هنا يأتي (الاستماع) في سياق آيات الذكر الحكيم مع اجتناب الطاغوت: " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" .
الطائفية هي لون من العشائرية، وإذا رأيت نزاعًا بين أتباع هذا المذهب أو ذاك المذهب فهو بعيد عن روح المذهبية، إنه ظاهرة عشائرية. والنزاع العشائري هو من إفرازات التخلف الحضاري.
من هنا كان ثمة ارتباط وثيق بين دعوة «التقريب بين المذاهب الإسلامية» ودعوة «الحضارة الإسلامية الحديثة». لأن الدعوة الأولى لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نجاح الدعوة الثانية.
في الجوّ الحضاري وحده تزول الطائفية وينمو جوّ الحوار المذهبي البنّاء.
في الجوّ الحضاري فقط يسود جوّ الاستماع والحوار والتفاهم والوئام والسلام.
حين يسود في الساحة نزاع طائفي يتصور بعضهم أنه ناشيء من تعدد المذاهب، ولذلك تتصاعد أصوات تطالب بالتخلص من تعدد المذاهب، والتوجّه نحو إقامة مذهب واحد، وهذا مستحيل لأنه يخالف الطبيعة التعددية للبشر، بل وسيحوّل هذا المذهب الجديد إلى مذهب آخر يضاف إلى المذاهب الموجودة.
لا سبيل إلى فضّ النزاعات الطائفية إلا بالارتفاع إلى مستوى التعامل بين المذاهب على أساس علمي فكري ثقافي.
وهذا هو هدف «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» وهكذا هدف «جامعة المذاهب الإسلامية».
إذا رأينا العلاقات الوثيقة بين أئمة المذاهب الإسلامية، وإذا رأينا أن بعض أئمة المذاهب هم من تلاميذ أمام المذهب الجعفري جعفر بن محمد الصادق فإن ذلك يعود إلى أنهم بمنأى عن الروح الطائفية.
وإذا رأينا أن كثيرًا من أساتذة الشريفين الرضي والمرتضى وتلاميذهما من أهل السنة مع أنهما من أئمة المذهب الإمامي الجعفري فذلك لسيادة جوّ الحوار المذهبي والابتعاد عن التعصب الطائفي. وأمثال ذلك كثير كثير.
والمشكلة الكبرى في عصرنا الراهن أن أعداء الإسلام يسعون لخلق أجواء طائفية في عالمنا الإسلامي عن طريق جواسيسهم الذين يتخذون صفة المدافع عن هذه الطائفة أو تلك الطائفة. وعن طريق فضائياتهم التي يمولونها ليهاجم بعضها هذه الطائفة وبعضها تلك الطائفة، ويستعر الصراع وتستباح الحرمات وتهان المقدسات وبذلك يتم للعدوّ ما أراد، فيدخل من خلال مافتحه من ثغرات ويعيث في الأرض الفساد.
ما نراه اليوم في ساحة العالم الإسلامي من مآس و ويلات وما نشهده من هزائم نفسية وسياسية وحضارية إنما هو بسبب عدم اهتمامنا بنفي السبيل أمام الاعداء بينما يقول سبحانه: "لَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً".
إنهم يحاولون بالشرق الأوسط الجديد وبصفقة القرن وبالتطبيع أن يفتحوا السبل ليتوغلوا في العالم الإسلامي فيشقوا الصفوف ويثيروا الضغائن. فالحذر الحذر.. فالصراع الطائفي هو أيسر سبل الكافرين على المؤمنين.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية