حديث التقريب ..
بمنطق الشهادة تقاوم غزّة وستنتصر
بمنطق الشهادة تقاوم غزّة وستنتصر
لقد سجّل منطق الشهادة انتصارات عظيمة باهرة منذ بزوع فجر الإسلام حتى يومنا هذا.
النصوص الإسلامية غرست روح الشهادة في نفوس حملة القرآن الكريم إذ قال لهم:
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
الحديث عن الشهادة والشهيد لا يمكن أن يصاغ بعبارات علمية ولا بمعادلات رياضية. إذ إنه حيدث «الروح» لا حديث «العقل».
التحليلات الفلسفية والعلمية والعقلية لا تستطيع أن تخلق الإنسان المجاهد، ولا بمقدورها أن تبعث في الموجود البشري اندفاعًا نحو الاستشهاد.
الشهيد إنسان ارتفعت روحه إلى مستوى الشهادة. وتحررت روحه من قيود الشهوات الهابطة، فأضحى منطقه منطقًا جديدًا قد لا يفهمه «العلماء» و«الفلاسفة» و«عقلاء القوم!».
حديث الشهيد والشهادة لا يفهمه إلا من يسير على خط الشهادة، ولا يتذوقه إلا من سما وتحرر من ربقة البطن والفرج والأهوالء الدنيئة.
فالشهداء – إذن - «أحياء» و«عند ربهم» يرزقون.. وما أعظمها من منزلة!!
والسنة تكثر من تشبيه المكانة السامية التي يمكن أن ينالها إنسان في حياته بمكانة الشهيد.. لأنها ذروة الرقي والتكامل في المسيرة الإنسانية.
فالسائرون على طريق طلب العلم، من أجل التعرف على الحقيقة، وطلبًا لمرضاة الله تعالى، لا بهدف الترفّع والاتجار، هم شهداء في مفهوم الروايات الإسلامية إن الشهادة هي الذروة في مسيرة الإنسان التكاملية.
ونظير هذا التشبيه ورد بشأن الساعي على طريق إدارة دفّة اقتصاد عائلته، وبالتالي على طريق إدارة اقتصاد مجتمعه.. في الحديث : «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»...
حق الشهيد
كل أولئك الذين خدموا البشرية بشكل من الأشكال لهم حقّ على بني الإنسان، سواء أسدوا خدماتهم عن طريق العلم أم الفكر أم الفلسفة والاختراع والاكتشاف أم الأخلاق والحكمة العملية.
لكن أيّ واحد من هؤلاء ليس له على البشرية حقّ كما للشهيد..
ومن هنا فإن ما يكنّه أبناء البشر من تعاطف وانشداد تجاه الشهداء يفوق ما يكنّونه تجاه سائر خدمة البشرية.
ولماذا هذا التفوّق؟
الدليل واضح.. كل المجموعات التي أسدت خدمات إلى البشرية مدينة للشهداء.. لكن الشهداء قلّما كانوا مدينين لهذه المجموعات.
العالم في علمه.. والفيلسوف في فلسفته.. والمخترع في اختراعه.. ومعلّم الأخلاق في تعليمه، محتاجون إلى أجواء حرّة مساعدة كي يقدّموا خدماتهم..
والشهيد بتضحياته يوفّر هذه الأجواء..
الشهيد كالشمعة التي تحترق وتفنى لتضيء الطريق للآخرين..
الشهداء شموع البشرية على طريقها اللاحب الطويل..
ولولا هذه الشموع لما استطاعت المسيرة البشرية أن تواصل طريقها، ولما استطاع أبناء البشر في ظلمات الاستعباد والاستبداد أن يمارسوا نشاطاتهم ويقدّموا خدماتهم الإنسانية.
الاندفاع نحو الشهادة ظاهر نلمسها بوضوح في جمهرة غفيرة من مسلمي صدر الإسلام.
وحين يتطلع الإنسان إلى هذه الظاهرة يحس أن في أعماق هذه الفئة المؤمنة شوقًا ولهفة إلى الشهادة.
هذا عليّ – عليه السلام – يقول:
«انه لما أنزل الله سبحانه، قوله: ﴿الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (ص) بين أظهرنا.
فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟
فقال: «يا عليّ، إن أمّتي يسيفتنون من بعدي».
فقلت: يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استُشهد من استشهد من المسلمين. وحيزت عني الشهادة، فشقّ ذلك عليّ، فقلت لي «أبشر فإن الشهادة من ورائك»؟
فقال لي: «إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟»
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر. ولكن من مواطن البُشرى والشكر»!!
ويقول علي أيضًا:
«إن أكرم الموت القتل! والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألفُ ضربة بالسيف أهون عليّ من ميتة على الفراض في غير طاعة الله.
هذا الاندفاع لم يكن مقصورًا على عليّ وأمثال علي، بل إن عامة الناس كانوا يأتون إلى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله لهم بالشهادة.
روح الاندفاع نحو الشهادة تجسّدت في كل أئمة آل البيت وأتباعهم، وهذه الروح تطفح في أدعيتهم التي خلّفوها لنا ومنها:
اللهم برحمتك في الصالحين فأدخلنا، وفي عليين فارفعنا.. وقتلا في سبيلك مع وليّك فوفّق لنا.
منطق الشهيد
لكل إنسان منطق خاص، وطريقة تفكير خاصة. ولكلّ معاييرُ ومقاييس يحدّد بموجبها موقفه من المسائل والظواهر المختلفة.
وللشهيد منطق خاص.. إنه «منطق الشهيد» الذي لا يمكن قياسه بمنطق الأفراد العاديين. فمنطق الشهيد أسمى.. إنه مزيج من منطق المصلح ومنطق العاشق.. منطق المصلح الذي يتضوّر قلبه ألـمًا لمجتمعه، ومنطق العارف العاشق للقاء ربه.
بعبارة أخرى لو امتزجت مشاعر عارف عاشق للذات الإلهية بمنطق إنسان مصلح لنتج عن ذلك «منطق الشهيد».
لا أحسب أني استطعت أن أعطي «منطق الشهيد» حقّه من التصوير والتوضيح فلأضرب لذلك مثلاً:
حين توجّه الحسين بن علي(ع) نحو الكوفة، أجمع عقلاء القوم على منعه من السفر قائلين: إن عزمه على السفر إلى العراق غير منطقي.
وكانوا صادقين فيما يقولون.. لم يكن عزم الإمام ينسجم مع منطقهم، مع منطق الإنسان الاعتيادي.. مع منطق الإنسان الذي يدور فكره حول محور مصالحه ومنافعه. لكن الحسين كان له منطق أسمى، كان منطق منطق الشهيد، ومنطق الشهيد أسمى وأرفع من منطق الأفراد العاديين.
منطق الشهيد منطق آخر: منطق الشهيد منطق الاشتعال والإضاءة، منطق الانصهار والانحلال في جسم المجتمع من أجل بعث الحياة في هذا الجسم، وبعث الروح في القيم الإنسانية الميّتة.. منطق تسجيل الملاحم.. منطق النظرة البعيدة.. البعيدة جدًا.
ومن هنا كانت كلمة «الشهيد» مقدسة عظيمة.
ومن هنا فإننا لا نعطي الشهيد حقه إن وصفناه أنه «مصلح» لأنه فوق المصلحين، أو أنه «بطل» لأنه أعظم من الأبطال.
لا يمكن وصف الشهيد إلا أنه «شهيد» وليس بمقدورنا أن نستعمل كلمة أخرى.
هذا المنطق هو اليوم وراء كل هذه المقاومة الباسلة في غزّة أمام عدوان صهيوني – أمريكي – استكباري عالمي، وهذا المنطق هو الذي سيحقق – بإذن الله انتصار غزّة في مواجهة هذا العدوان الشرس المتوحش الظالم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية