حديث التقريب..
أقبل شهر القُربة والتقريب
إنه شهر التقرب من الله سبحانه، والقرب منه سبحانه ليس مكاتبًا بل روحيًا ونفسيًا ومعنويًا.. إنه القرب من الكامل المطلق، وكل خطوة من هذا القرب هي شوط على طريق العزّة والعلم والحكمة والقوة، إذ هو العزيز العليم الحكيم القويّ بالمعنى المطلق جلّ وعلا.
وهو شهر التقريب.. شهر يجمع الأمة في أرجاء العالم على ساحة الصبر والمواساة واشتراك العواطف والمشاعر والقلوب.
أمتنا في ظروفها الراهنة أحوج من أي وقت مضى إلى هذا القرب وإلى هذا التقريب.
طواغيت الأرض يسعون بكل قواهم إلى صدّ الناس عن سبيل الله وإبعادهم عن مصدر عزّتهم وكرامتهم وإنسانيتهم؛ ألوان التيارات المنحرفة تحاول إغراق عباد الله في مستنقع الشهوات والرذائل لإبعادهم عن الصراط المستقيم، ولايقاعهم في حبائل شياطين الإنس والجنّ.
يسعى هؤلاء الطواغيت إلى إفراغ الشعوب من إرادة الصمود والتصدّي، وإلى أن يفقدوا مناعتهم المضادة للأوبئة الفكرية والنفسية.
من هنا لابدّ من تضافر الجهود لاستثمار عطاء هذا الشهر في التقرب من وليّ المؤمنين الذي تكفّل أن يخرجهم من الظلمات إلى النور ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ من ظلمات الهزيمة النفسية، من ظلمات الارتكاس في حمأة الشهوات، من ظلمات فقدان المناعة والمقاومة والخضوع للطاغوت. يخرجهم من هذه الظلمات إلى نور الإنسان الذي يحمل نفحة روح ربّ العالمين، ويستحق أن يكون مسجود الملائكة بهذه النفخة، وأن يتأهل لأن يكون خليفة الله في الأرض.
نعم، وتحتاج أيضًا إلى أن يكون هذا الشهر الكريم شهر تقريب.. تقريب القلوب والمشاعر والعبور من حواجز التجزئة القومية والطائفية، وأهم من ذلك العبور من الأسلاك الشائكة للأنانية، للانطلاق في رحاب الإنسانية التي يرى الإنسان أخاء الإنسان إما أخاً له في الدين أو نظيرًا له في الخلق.
العالم الإسلامي يمرّ هذه الأيام بأصعب ظروفه التاريخية، وهذا يستوجب أيضًا بالحاح سيادة روح المواساة والتعاطف؛ أهلنا في فلسطين يعانون من قتل يومي وظلم متواصل وهدم لبناهم التحتية، ويواجهون باستمرار تآمرًا صيهونيا عالميًا مدعومًا بأعتى طواغيت الأرض من أجل صدّهم عن المقاومة وعن المطالبة بحقوقهم المشروعة.
وجبهة المقاومة التي تحاول صيانة روح العزّة والكرامة، تتعرض لألوان الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية.
والأمرّ من كل هذا أن بعض ذوي القربى قد أصيبوا بهزيمة نفسية، وراحوا يتسابقون في التقرب من العدوّ الصهيوني والتطبيع مع دولة الاحتلال العنصرية، وهو أشدّ مضاضة من وقع العدوان الصهيوني.
إن عطاء شهر رمضان في المواساة يفرض علينا تصعيد جهودنا شعوبًا وحكومات لمدّ يد العون بكل ما نستطيع للمظلومين في أرض فلسطين المحتلة وأن نفكّر بجدٍ في تحرير الأرض المقدسة من عدوان المعتدين، وتخليص شعب فلسطين بل شعوب المنطقة والعالم من هذا الأخطبوط الذي يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحبّ الفساد.
ثم يجب أن لا ننسى في شهر التقريب هذا، ما تحاوله عوامل الفتنة والفساد من إثارة الصراعات الطائفية والعنصرية والفئوية بين شعوب الأمة والتفكير في مواجهتها والتصدي لها بوعي ويقظة وبصيرة.
ولابدّ أن نتذكر في هذا الشهر أن كثيرًا من أهلنا في سوريا وتركيا لا يزالون يعانون من تبعات الزلزال ويعيشون في ظروف معيشية صعبة تحتاج الى المزيد من المساعدات.
ولابدّ أيضًا أن نستشعر عظمة هذا الشهر الكريم الذي قال عنه رسول الله(ص): «أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله...».
أعاد الله هذا الشهر الكريم علينا ونحن أقرب إلى مصدر عزتنا وكرامتنا وأكثر استعدادًا لتقارب قلوبنا وأرواحنا آمين يا رب العالمين.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية