/ صفحه 316/
أما صفا العظمة فهي كونه تعالى ذا هيبة وجلال، لا يستطيع معهما أحد أن يسبقه بالقول فيشفع عنده إلا بإذنه، وكونه عالما لكل شأن من شئون خلقه، وكون علمه لا يحاط به، بل يعلم منه فقط ماشاء هو أن يعلم، وأن ملكه عام شامل للسموات والأرض، وأنه يحفظهما ولا يثقله حفظهما(1).
فهذه صفات العظمة، ولذلك كانت الجملة الأخيرة في آية الكرسي ((وهو العلي العظيم)) إجمالا ـ كما قلنا ـ لصفات العلو والعظمة التي فصلت من قبل.
واقرءوا إن شئتم قوله تعالى: ((الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شىء عليم)).
فالسموات والأرض تعبير عن الكون كله، علويه وسفليه، وما خلق الله من شىء، والله نورها، والنور هو روح كل موجود وسره، فلو تصورنا موجوداً مظلما لا نور له، لما كان في المعنى إلا صورة مساوية للعدم.
وقد أيبت العلم أن كل موجد فلا بد له من النور على نحو من الأنحاء، وأن انقطاع النور انقطاعا تاما عن الموجود إنما هو مرحلة نهايته وفنائه، وهذا المعنى قد أشار إليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض دعائه الذي توجه به إلى ربه حيث يقول: ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك، أو تحل على سخطك)) والشاهد في قوله عليه الصلاة والسلام: ((أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة)) إذ هو تفسير لقوله تعالى:
ــــــــــ
(1) هناك فرق بين قوله تعالى: ((له مافي السموات وما في الأرض)) وقوله جل شأنه: ((وسع كرسيه السموات والأرض)) وقد بينا هذا الفرق فيما ذكرناه عن الجملة الثانية، ونزد هنا أننا جعلنا الجملة الأولى تعبيراً عن صفة من العلو، لأن الذي يملك مافي السموات والأرض عال عن كل ما في السموات والأرض، وجعلنا الجملة الثانية من صفا العظمة، لأنها حديث عن سعة كرسي الله وشمول ملكه لذات السموات والأرض، وعظمة الملك مؤذنة بعظمة المالك.
((الله نور السموات والأرض)) بأنه لو لا نور وجه الله لما أشرقت الظلمات، ولا سلح أمر الدنيا والآخرة.