وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

/ صفحه 344/
وكان من آثار هذا الفرق الذي نحسه بين ما يتعلق النهي فيه بالقربان من الفعل، وما يتعلق فيه بنفس الفعل، أن الدنو من المكروه النفسي بالتفكير فيه، ومحاولة فعله لا يلزمه أن يصل بالإنسان إلى ارتكابه، وذلك لعدم ميل النفس بطبعها إليه، وليس كذلك الدنو بالتفكير فيما تشتهيه النفس وتميل إليه، كالمال والفواحش، فإن الفعل يتبعه في غالب أمره، ولا يتخلف عنه إلا برادع خاص، لا يتفق لكثير من الناس، ولا في كثير من الأحوال. ومن هنا، يظهر السر البلاغي الحكيم في مجيء النهي عن الشرك وأمثاله، متعلقا بنفس الفعل، ومجيء النهى عن المال والفواحش، متعلقا بالقربان منهما، وعلى أساس من هذه النظرة الفطرية أو التي تشبه أن تكون فطرية، نستطيع إدراكه الحكمة في المغايرةبين أسلوبي النهي في الجانبين.
* * *
وبعد، فقد عني القرآن الكريم بشأن اليتيم عناية كبيرة: عني به من جهة ذاته، فنهى عن ازدرائه وإهانته، وجعل ازدراءه علامة من علامات التكديب بيوم الدين: ((أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم)). وعني به من جهة ماله واستثماره، ومن جهةتربيته وتعليمه، وتمرينه على التصرف حتى يبلغ أشده وقوته، ولقد ظهرت تلك العناية في مكي القرآن ومدنيه: ظهرت في المكي حينما عاد الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد أن فتر عنه مدة توجس منها أن يكون الله ودعه وقلاه، فاجأه الوحي على هذه الفترة، وعلى هذا التوجس، مؤكدا له حسن رعاية الله إياه وذنه ما ودعه وما قلاه، وأخد يثبث ذلك في نفسه، يذكره بعنايته به قبل النبوة وهو باليتم أحوچ ما يكون إلى العطف والإيواء: ((ألم يجدك يتيما فآوى)). ثم يلفت نظره إلى جلال تلك النعمة: نعمة العطف عليه وهو يتيم، ويطلب منه شكرها، وأن يكون هذا الشكر من نوعها: ((فأما اليتيم فلا تقهر)). وظهرت في المكي أيضا في سورة المعاون، وفي هذه الوصايا العشر التي نتحدت في ضوئها. ولقد تأثرت نفوس القوم بهذه الوصايا المكيةالتي جاءت في شأن اليتيم، وصاروا من أمره في حرج، أيتركونه ولا يتصلون بشيء من أمره، اتقاء للوقوع