وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

/ صفحه 307/
و كانت مكة مهاجراً تترى إليه الوفود اليمانية منذ تفرقوا أيدى سبأ، أمتها جرهم الثانية، وأمتها خزاعة، وحكمتاها واحدة بعد الأُخرى غالبتين على حكمها أهلها من بني إسماعيل، حتى استعاده (قصي) بن كلاب (400 م)، واستأنفه
مضرياً، وأم غير جرهم وخزاعة غير مكة من الحجاز، فعمرت يثرب بالاوس والخزرج، وأم غيره هؤلاء وأولئك غير الحجاز من ا لعراق والشام واليمامة ونجد والعروض منتشرين كالجراد يملأون فراغ الجزيرة العظيمة، ويزودون هلالها الخصيب بما حملوه من كثافة، وما نقلوه من ثقافة وأوضاع.
و كانت مكة تمتاز على جميع هذه المهاجر بأنها دار أمن لايأتيه الخوف من بين يديه ولا من خلفه، وبأنها دار رخاء لا يدنو إليه الجوع من فوقه ولا من تحته، ففيها بيت الله، وعليها سدنته الاسماح المطيبون، يبذلون لضيوفها الرقد والكرامة من أنفسهم، ويبسطون العدل في القضاء من حكومتهم، فهم آمنون وادعون، كافلون للأمن والدعة، لا يروَّعون ولايروِّعون.
فلما يئس الاخوان الثلاثة من العثور على فقيدهم في مكة، انحسر عنها مالك والحارث، واستقر فيها (ياسر) حليفاً لمضيفه أبي حذيفة سيد مخزوم، يحفظه هذا، ويحفظ هو لهذا يده عنده، ويثيب احسانه إليه، وامتناعه به، بالوفاء له أكرم الوفاء وأصفاه وأخلصه. وكان أبو حذيفة كأخيه (هشام) من قبل وكأخيه (الوليد) من بعد، زعيما سمحاكريما رضيا حافظا للمعروف، مثيبا عليه، وكان حدبا على حليفه العنسي بوجه خاص. رؤوفا به رحيما، يؤثره بحب يضيفه إلى ما أخذ به نفسه من حلفه، وربما أضاف إلى هذا أو ذاك شيئاً من احترامه لهذا العنسي الغريب الذي اضطرته الاقدار إلى الاعتصام بغير داره، ورمته إلى دار يطلب فيها الحماية من غير أهله، وعسي أن يكون، بل هو قد كان، ذا دار منيعة عزيزة، وذا أهل كرام أشداء، من أجل هذا حالفه أبو حذيفة، ثم أحبه، ثم احترمه، لم يخيب ياسر ظن حليفه، فوفي له، ثم تصرف بوفائه تصرف العقلاء الاعزاء الذين يلائمون بين أدب الغريب وضعف اللاجي ء، وبين كرامة النفس واستقلال الرأي، فكان من سلامة سلوكه ومن صفاء معدن حليفه معاً أن عرف بعد ذلك مخزوميا