@ 69 @ الفرق لا محالة . والصحابة رضي الله عنهم ، أعقل الناس وما تركوا دينهم الذي كانت عليه الآباء ، إلا بما وضح من كلامه تعالى ، ولو لم يكن عند النبي إلا ما يشبه الأحاديث القدسية ، ما آمن من الناس أحد ، ولكن الذي ظلت له الأعناق خاضعة ، هو القرآن العزيز ، الذي هو كلام الرب سبحانه وتعالى ) ) . .
فقلت له : ( ( ومن أين لهم أنه كلام الرب تعالى ، وإنما كانوا على عبادة الأوثان ، ولم تسبق لهم معرفة بالله عز وجل ، حتى يعلموا أنه كلامه ، وغاية ما أدركوه أنه كلام خارج عن طوق البشر ، فلفله من عند الملائكة مثلاً ) ) ؟ . .
فقال رضي الله عنه : ( ( كل من استمع القرآن ، وأجرى معانيه على قلبه ، علم علماً ضرورياً ، أنه كلام الرب سبحانه ؛ فإن العظمة التي فيه ، والسطوة التي عليه ، ليست إلا عظمه الربوبية ، وسطوة الألوهية ، والعاقل الكيس ، إذا استمع لكلام السلطان الحادث ، ثم استمع لكلام رعيته ، وجد لكلام السلطان نفساً به يعرف ، حتى إنا فرضناه أعمى ، وجاء إلى جماعة يتكلمون ، والسلطان معمور فيهم ، وهم يتناوبون الكلام ، لميز كلام السلطان من غيره ، بحيث لا تدخله في ذلك ريبة ، هذا في الحادث مع الحادث ، فكيف بكلام القديم ، وقد عرف الصحابة رضي الله عنهم من القرآن ربهم عز وجل ، وعرفوا صفاته ، وما يستحقه من ربوبيته ، وقام لهم سماع القرآن في إفادة العلم القطعي به عز وجل ، مقام المعانية والمشاهدة ، وحتى صار الحق سبحانه عندهم بمنزلة الجليس ، ولا يخفي على أحد جليسه ؟ ) ) . .
ثم نقل ابن المبارك كلام أستاذه المنوه به ، في ما يعرف به كلامه تعالى ، فأنظره . وما نقلنا بحثه المذكور إلا لنفاسته ، لأنه منزع بديع ، بنشرح له القلب ، والله العليم . * * *