@ 190 @ على ذلك إذ انفصلت من جيوش العدو كتيبة عظيمة من نحو عشرة آلاف فارس كلهم مدجج في الحديد وكانت هذه الكتيبة هي شوكة ذلك الجيش وحده كان الفنش لعنه الله قد انتخبهم وصلت أقسته عليهم صلاة النصر ورشوهم بماء المعمودية وتحالفوا عند الصلبان أن لا يبرحوا حتى يقتلوا المسلمين أو يهلكوا دونهم فلما برزت هذه الكتيبة نادى منادي الشيخ أبي يحيى معشر المسلمين اثبتوا في مصافكم وأخلصوا لله تعالى ينتكم وأذكروا الله عز وجل في قلوبكم وبرز عامر الزعيم من أمراء العرب فحض الناس على الصبر وثبتهم وحملت كتيبة العدو حتى اندقت رماح المسلمين في صدور خيلها أو كادت ثم تقهقرت قليلا ثم عاودت الحملة فكانت كالأولى ثم تهيأت للحملة الثالثة فدفعت حتى خالطت صفوف المسلمين وخلص البعض منها إلى الشيخ أبي يحيى يطنونه المنصور فاستشهد رحمه الله بعد ما أحسن البلاء وقاتل قتالا شديدا واستشهد معه جماعة من المسلمين من هنتاتة والمتطوعة وغيرهم وسمي بنو الشيخ أبي يحيى ببني الشهيد وعرفوا به من يومئذ وأظلم الجو بالغبار واختلطت الرجال بالرجال وانفرد كل قرن بقرنه وأقبلت العرب والمتطوعة فأحاطوا بالكتيبة التي دفعت إلى الشيخ أبي يحيى وزحفت زناتة والمصامدة وغمارة إلى الربوة التي فيها الفنش وجموعه وكانت على ما قيل تنيف على ثلاثمائة ألف بين فارس وراجل فتوغل المسلمون في تلك الأوعار إليهم وخالطوهم بها واشتد القتال واستحر القتل في الكتيبة التي دفعت أولا وانقضت عليهم العرب والمتطوعة وهنتاتة فطحنوهم طحنا وانكسرت شوكة الفنش بهلاكهم إذ كان اعتماده ومعوله عليهم .
وأسرعت خيل من العرب إلى أمير المؤمنين المنصور فأعلموه بأن الله تعالى قد فل شوكة العدو وأشرف على الإنهزام فعندها أمر المنصور بالرايات فرفعت وبالطبول فقرعت ورفع المسلمون أصواتهم بالتكبير وتسابقوا لقتال العدو وخفقت البنود وزحف أمير المؤمنين نحو المعركة