[43] وبينما هو يأمرهم بهذا يضع عليهم العيون والرقباء ليرى مدى طاعتهم وتنفيذهم لاوامره. لقد كان عليه السلام، بهذا، أول من اخترع نظام التفتيش. ولقد كان يكتب إلى ولاته: (إن أعظم الخيانة خيانة الامة (1)) وليس الولاة أعضاء في شركة مساهمة هدفها أن تستغل الامة وإنما هم كما كان يكتب إليهم (خزان الرعية، ووكلاء الامة، وسفراء الائمة) (2). وكون الاموال العامة هي أموال الامة مفهوم لم يأخذ صيغته الحقة إلا على لسان الامام عليه السلام وفي أعماله. لقد جاءه أخوه عقيل يطلب زيادة عن حقه فرده محتجا بأن المال ليس له وإنما هو مال الامة (3)، وجاءه ثان يطلب إليه أن يعطيه مالا، مدلا بما بينهما من رابطة الحب فرده قائلا: (إن هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فئ للمسلمين) (4). * * * بهذا كله لم يكل الاسلام ولا الامام أمر إلتزام الفضيلة في السلوك إلى الضمير وحده وإنما جعلا لها سندا من القانون يكفل لها أن تصير واقعا اجتماعيا تنبني عليه العلاقات الاجتماعية والسلوك الانساني. ولكنهما لم يجعلا القانون كل شئ في حياة الانسان لئلا يكون آلة مسيرة لا تملك اختيار ما تريد، وإنما أناطا جانبا من سلوكه بملزمات الضمير بعد أن أيقضا هذا الضمير. ولم يكلا أمر ________________________________________ 5، وكتابه إلى زياد بن سمية وهو متول على البصرة، رقم النص: 20 - 21، وكتابه إلى بعض عماله، رقم النص: 46، وغير ذلك كثير نجده في باب المختار من كتب أمير المؤمنين في القسم الاخير من نهج البلاغة. 1 - نهج البلاغة - من عهد له إلى بعض عماله على الخراج، رقم النص: 26. 2 - نهج البلاغة - من كتاب له إلى عماله على الخراج: 51. 3 - نهج البلاغة - رقم النص. 222. 4 - نهج البلاغة - من كلام له مع عبد الله بن زمعه، رقم النص: 230. ________________________________________