[38] طعاما ولا كساء ولا دواء، إن هؤلاء ينقلبون إلى قتلة ومجرمين ولصوص حين لا يجدون ما يسدون به حاجاتهم الاولية من طريق مشروع. وهكذا يظهر إلى العيان الصراع الطبقي بالرغم من أن المثل الاعلى هو الفضيلة ومكارم الاخلاق. وعى الاسلام هذا الواقع فلم يكل أمر صيانة المجتمع من أخطار التفاوت الطبقي إلى المثل الاعلى وحده، وانما أولى الاقتصاد ماله من الاهمية في أمر الصيانة والعلاج. فشرع الله تعالى أحكاما تحول دون تكون الثروات بطريق غير عادل وغير مشروع - وتحول بين أصحاب الثروات بعد أن تتكون لديهم الثروة بطريق مشروع وبين أن يستخدموها في استغلال الآخرين. وشرع نظاما للضرائب (الزكاة، الخمس) والمواريث يفتت هذه الثروات تدريجيا، ويحول بينها وبين التراكم والتعاظم، وأعطى للحاكم حق وضع اليد على ما تقضي به المصلحة العامة من أموال الاغنياء إذا قضت بذلك حاجة طارئة تعجز عن الوفاء بها المصادر التقليدية لتمويل النفقات العامة. وشرع نظاما للاموال العامة يغذي من الضرائب ومصادر الثروة العامة، يضمن مستوى الكفاية في العيش لجميع الناس. وبذلك يحول بين المجتمع الاسلامي وبين أن توجد فيه ظاهرة الفقر بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي المعروف، وإن كان هذا لا يعني أن يتساوى الناس في دخلهم وفيما يملكون، لان هذا أمر مستحيل في أي مجتمع يتخيله الانسان على الاطلاق. ويدخل في باب الاحلام والتصورات الطوباوية التي تاباها واقعية الاسلام. وبذلك يشعر الفقراء أنهم ليسوا مهملين: لاعين ترعاهم، ولا يد تأسو جراحهم، وتقيلهم عثرات الزمان.. بل يشعرون أنهم ملء سمع المجتمع وبصره، فتختفي دوافع الاجرام من أنفسهم، وحينذاك يقول لهم الاسلام: إن المثل الاعلى هو الفضيلة، ويطلب إليهم أن ________________________________________