فيصحّ سلب المعنى الحقيقي للأسد ـ وهو الحيوان المفترس ـ عنه، فيقال: ليس أسداً بذاك المعنى الأصل، بل هو مشابه له في الجرأة والشجاعة[327]. وهذا لا يعني: أنّ المعنيّ بهذا اللفظ أمر وهميّ خياليّ، بل هو موجود، ذات تشخّص عينيّ خارجيّ، الأمر الذي هو حقيقة عينيّة في مصطلح الفلسفة. فالقول بالمجاز لا يعني نفي الحقيقة العينيّة، كما توهّمه هؤلاء، وإنّما هو نفي للحقيقة بمصطلح علماء البيان خاصّاً. إذن فكلّ تعابير القرآن تُنبؤك عن حقيقة واقعة لا ريب فيها، هذا من غير فرق بين أساليب الأداء، إن حقيقةً أو مجازاً، أو كنايةً أو استعارةً، أو غيرها من أساليب الكلام البارعة، فكلّها تنمّ عن حقائق الأعيان، بعيداً عن الخَيَلان والأوهام. فقول ابن عربيّ: إنّا ننفي أن يكون في القرآن مجاز، بل في كلام العرب[328].. إن أراد إثبات الحقيقة بمعناه الفلسفي، فهذا أمر لا يُنكر، ولا منازع له، وإن أراد الحقيقة بمعناها البلاغي، أي المعنى الموضوع له الأصل، فهذا شيء لا يُعرف ولا مجال للالتزام به، بل هو خلاف الوجدان والمرتكز في الأذهان. فقولة الشاعر: وإذا المنيّة أنشبت أظفارها *** ألفيت كلّ تميمة لا تنفع استعارة تخييليّة، حيث أضمر تشبيه المنيّة بالسبع الضاري، ودليلا على هذا التشبيه المضمر أثبت للمشبَّه ما يخصّ المشبَّه به وهي الأظفار، وهذا ما يسمّى عندهم بالترشيح. ومن المعلوم بضرورة الوجدان أنّ المنيّة لا أظفار لها، وجاء ذكرها رمزاً إلى ذاك التشبيه المضمر في النفس.