فالرحمان والرحيم يعنيان فعل الرحمة مع عباده، وهكذا فرض المعتزلة ما يقرب من هذا المعنى بشأن جميع الصفات. وعليه، فيكون إطلاق مثل هذه الأوصاف على ذاته المقدّسة إطلاقاً مجازيّاً.. الأمر الذي يُستبعد على أيّ حال.. ولاسيّما في مثل صفة «الرحمان»، حيث يستدعي ذلك أن يكون هناك مجاز بلا حقيقة.. إذ لا يصحّ إطلاق هذا الوصف على غيره تعالى; نظراً لدلالته على سعة رحمة بحيث لا يمكن فرضها بشأن أحد سوى الله.. والفرض أنّ إطلاقه على الله أيضاً مجاز.. فيلزم أن تكون هناك لفظة لا تُستعمل إلاّ مجازاً.. فتدبّر جيّداً!! ولكن لأهل التحقيق هنا كلام قد يحلّ من المشكلة، ذلك أنّهم قالوا: إنّ مثل هذه الألفاظ قد وضعت لمفاهيم عامّة وحقائق مطلقة، نسبتها إلى جميع موارد استعمالاتها سواء.. حيث إنّها وضعت لروح المعاني، وإنّما جاءت التقيّدات من قبل الاستعمال، من غير أن تكون دخيلة في صميم الموضوع له.. فالتقيّد بالعطوفة والرقّة، كان من نحت أذهان العامّة لهذه المفاهيم، لا أنّها من ملاحظ الواضع في الموضوع له حين الوضع. وهذا قد يستبعد بالنظر إلى أنّ واضعي اللغات هم من أفراد العامّة، ويبعد أن تتفرّغ أذهانهم من نحو التقيّدات الملحوظة لدى الاستعمال.. لأّنهم إنّما وضعوا الألفاظ للمألوف من المعاني، لا المفاهيم المتجرّدة منها. نعم، قد يكون كلام أهل التحقيق ناظراً إلى جانب عموم المفهوم، الملحوظ عند الوضع، بحيث يشمل المألوف وغير المألوف. مثلا: لفظة «النور» وضعت لما يشعّ ضياءً، سواء أكان في المحسوس أم في غير المحسوس، حيث الجهة النوريّة كانت هي الملحوظة بالذات، الأعمّ من كونها في صفاء خالص، كالأنوار الملكوتيّة.. أو مشوبة بالأكدار، كالأنوار المشهودة بهذا الحسّ القريب.. فالموضوع له هي النوريّة المحضة، الشاملة لكلا النوعين.