ففي المزارعة يكون الزرع ملكاً لصاحب البذر الذي يتنازل عن نسبة منه للعامل. فالمالك الأول يتخلّى عن حقه ليعود العمل الثاني مؤثراً في هذا المقدار ومنتجاً للحق. أما أدوات الإنتاج فليست كذلك إذ ان مالك الشبكة مثلا عندما يدفعها للصياد لا يقوم بعمل ولا مبرّر له لاكتساب حق في النتيجة، وسماح الصياد له بهذا الحق لا يكفي لمنحه إياه مادام لا ينطبق على النظرية العامة في التوزيع. نعم لمالك الشبكة حق الأجرة كمكافأة. ومن هنا نعرف الفرق بين أصحاب أدوات الإنتاج غير المسموح لهم بالمشاركة في الربح وصاحب الأرض في عقد المزارعة; إذ يسمح له بالمشاركة في الربح باعتبار انه مالك للبذر ولذا فهو مالك للزرع ويتنازل عن حصة منه ليؤثر عمل العامل في إنتاج حق له بتلك الحصة، وهكذا الحال في المضاربة. الخــلاصة: يمكننا بعد هذا ان نلخص نظرية الإسلام في مجال توزيع ما بعد الإنتاج في ما يلي: أولا: ان الإنسان هو غاية يخدمها الإنتاج، لا وسيلة تخدم الإنتاج. ثانياً: ان الملكية ثابتة، وهي منفصلة عن القيمة التبادلية. ثالثاً: ان الكسب يقوم على أساس العمل المنفق. ملاحـظات 1ـ دور المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي إذا أنعمنا فيما سبق لم نجد للمخاطرة أي دور، فليست هي سلعة يطالب بثمنها ولا عملا، بل هي حالة شعورية ليس من الصحيح ان يطالب قبالها بأجر. نعم ان التغلّب على الخوف له أهمية نفسية خلقية. ولكن هذا تقييم خلقي يختلف عن التقييم الاقتصادي. وقد أخطأ الكثيرون فقالوا بأن الربح في المضاربة يقوم على أساس المخاطرة ـ تأثّراً بالرأسمالية ـ ولكنّا رأينا أن مبرّر الربح يقوم فيها على أساس تملّك الشخص للمادة السابقة وثبات هذا التملّك ولهذا نجد ان العامل لو اتجر بأموال شخص فربح دون علم ذلك فان بإمكان هذا أن يرضى ويستولي على الربح، وله أن يرفض ويسترجع ماله. فالمال هنا مضمون، والمخاطر هو العامل.