فالإسلام يؤمن تماماً بالحرية الفكرية في شتى المجالات بل ويرى ـ على ضوء الواقع ـ ان الفكر أمر لا يمكن فرضه على النفس بالقوة، وإنّما السبيل الوحيد لرسوخه هو اقتناع النفس بالفكرة وايمانها بها من خلال وضوح مطابقتها للواقع الخارجي. وهو على ضوء ذلك يفسح المجال للانطلاقة الحرة في الفكر إلاّ أنه لا يسمح مطلقا بامور يرى انها مخربة وغير منسجمة مع التكامل من قبيل: ـ انه لا يسمح برفض التفكير، والاخلاد إلى حالة اللامبالاة الفكرية تخلصا. ـ كما يزعم اصحاب هذا الاتجاه ـ من عواقب معرفة الحقيقة مهما كانت ـ وعدم السماح هذا الأمر منسجم مع التركيبة الإنسانية القاضية بلزوم معرفة الحقيقة، واستكناه المجهول، وتحديد الموقف من الحياة، إذ الوجدان الإنساني يقض بان اللامبالاة الفكرية تعني الضياع والخروج عن السلوك الإنساني المستوي. ـ وهو ـ أي الإسلام ـ لا يسمح بانتخاب طريق التقليد الفكري للآباء اتباعاً للعواطف والهوى باعتباره طريقاً خطراً ومضراً بالمسيرة الإنسانية المتوازنة لما قد يترتب عليه من جمود وجحود وضياع، والقرآن الكريم ينبه المقلدة لآبائهم عبر تساؤل فطري طبيعي عما إذا كانوا سيقلدون آباءهم لو وثقوا من كونهم مجانين؟! والجواب بالنفي طبيعي في هذه الحالة اذن يجب التأكد من صحة عقيدة الآباء قبل الإيمان بها يقول تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون). وهناك مجالات أُخرى للتحديد لها أسسها وإذا يممنا تشطر الجانب الشخصي لاحظنا هذه الظاهرة بكل وضوح بحيث لا يحتاج الأمر إلى استعراض اية مصاديق كما يمكننا ان نلاحظ انطباق هذه الظاهرة في المجال السياسي عبر ملاحظة الدور الذي منحه الإسلام للرأي العام في انتخاب الحاكم الصالح، وتحري أفضل السبل لادارة الأمور من خلال الشورى ـ على ان هناك بحوثا مفصلة في البين لا يمكننا ان نتعرض إليها هنا. اما الحرية الاقتصادية فهي موضوع بحثنا هذا وهو ما سنركز عليه ان شاء الله وسنجدها منسجمة تماماً مع هذا المبدأ.