يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: (أركنه: إذا أماله، والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبّه بهم، والتزيي بزيّهم، ومدّ العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم.... وحكي أنّ الموفّق صلّى خلف الإمام، فقرأ بهذه الآية ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) فغشي عليه، فلمّا أفاق، قيل له، فقال: هذا في من ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم ؟! وعن الحسن (رحمه الله): جعل الله الدين بين (لائين): (ولا تطغوا) (ولا تركنوا). ولمّا خالط الزهري السلاطين، كتب إليه أخ في الدين[77]: عافانا الله وإيّاك، أبا بكر، من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً، وقد أثقلتك نعم الله، بما فهّمك الله من كتابه، وعلّمك من سنّة نبيّه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه: ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخفّ ما احتملت: أنّك آنست وحشة الظالم، وسهّلت سبيل الغي بدنوّك ممّن لم يؤدّ حقّاً ولم يترك باطلا، حين أدناك اتّخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يُدخلون الشكّ بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك[78] من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممّن قال الله فيهم: ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ