والتشويه وسوء الاستغلال، فإنّ الدين قوة كبرى في المجتمع، وهو معرَّض دائماً للتحريف وسوء التأويل والاستغلال، ولابد من وجود سلطان نافذ قوي في المجتمع يحمي الدين من سوء الاستغلال والتحريف، وهذا السلطان هو سلطان الدولة الإسلامية. هذه هي النقاط الرئيسية المذكورة في رواية الفضل بن شاذان في تفسير وتوجيه ضرورة الدولة في حياة المجتمع. ومن المؤكّد أنّ هذه الضرورات الثلاثة لا تختصّ بوقت، وكما هي قائمة في عصر الحضور فهي قائمة في عصر الغيبة أيضاً، وهذه الضرورات الثلاث تستوجب السعي والعمل لإقامة الدولة الإسلامية من قبل عامة المكلّفين. يقول الغزالي: (نظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصّل إليها إلاّ بصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والسكن والأمن...، وليس يأمن الإنسان على روحه وبدنه وماله ومسكنه قوته في جميع الأحوال..، فلا ينتظم الدين إلاّ بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلاّ فمن كان جميع أوقاته مستغرقاً بحراسة نفسه من سيوف الظلمة متى يتفرّغ للعلم والعمل وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة ؟ فإذن بان أنّ نظام الدنيا شرط لنظام الدين). ثم يقول: (وعلى الجملة: لا يتمادى العاقل في أنّ الخلق على اختلاف طبقاتهم، وماهم عليه من تشتّت الأهواء وتباين الآراء، لو خلّوا وآراءهم، ولم يكن لهم رأي مطاع يجمع شتاتهم، لهلكوا من عند آخرهم. وهذا داء لا علاج له إلاّ بسلطان قاهر مطاع يجمع شتات الآراء...، فبان أنّ السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الاُخرى، وهو مقصود الأنبياء طبعاً، وكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه)[72].