النصوص التي نعتمدها في هذا الأمر، والمسألة على وجه الدقّة هي: هل للشورى قيمة شرعية ملزمة للحاكم ؟ وبتعبير آخر: هل أنّ الشورى مصدر من مصادر القرار والطاعة في النظام الإسلامي أم لا ؟ وآية الشورى في سورة آل عمران هي أوضح الأدلّة التي يتمسّك بها المثبتون، وما يمكن أن يستدلّ به هؤلاء من خلال هذه الآية المباركة أمرين: الأول: أنّ الأمر بالشورى يستبطن الأخذ برأي أهل الشورى إذا اتّفقوا على رأي، أو اجتمع أكثرهم على رأي. ونحن لا نرى في الأمر بالشورى هذا المعنى. نعم لو كان يقترن الأمر بالشورى بالنهي عن مخالفة الشورى، كان لهذا الرأي معنىً معقولاً، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك، وآية آل عمران لا تدلّ على أكثر من الأمر بالاستشارة، وليس في الآية الكريمة ما يدلّ على الإلزام بالشورى. والثاني: أنّ وجوب الشورى كما ذكرنا من قبل وجوب طريقي للوصول إلى القرار الناضج الحقّ، ولتنضيج القرار وتسديده. ولا يتمّ ذلك إلاّ بإلزام الحاكم بموجب الشورى، وإعطاء صفة القرار الشرعي الملزم لرأي أهل الشورى... ومن دون ذلك لا تتحقق هذه الغاية المطلوبة من الشورى. وللمناقشة في ذلك مجال واسع، فإنّ الغاية من الشورى هي تنضيج الرأي، وتسديد القرار السياسي والإداري، وهو لا يتوقّف على إلزام وليّ الأمر برأي الأكثرية من أهل الحلّ والعقد. والفائدة المطلوبة من طرح المسائل السياسية والإدارية في الشورى هي التراشد وتكامل الرأي ونقد الأفكار والآراء... ولوليّ الأمر بعد ذلك أن يُقِرَّ أكثرية أهل الشورى على رأيهم ـ وهو ما يحصل في الأعمّ الأغلب ـ أو يتخيّر رأي الأقليّة أو غيرها من الآراء.