عن الظاهر بقدر ما تقتضيه القرينة الصارفة. فإذا وردت أوامر متعدّدة حملناها على الوجوب، إلاّ ما تقتضي القرينة الصارمة صرفها عنه، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[602]. فإنّ الثبات واجب، والذكر الكثير مستحبّ، وطاعة الله ورسوله واجبة، والتنازع محرَّم... وبعضها معطوف على بعض. والسياق لا يكون قرينة على صرف الأمر عن ظاهره ; لضعف ظهور السياق، وقوة ظهور اللفظ. ويشترط في القرينة أن تكون ظهورها أقوى من ظهور اللفظ في معناه الحقيقي. ولذلك تجتمع الواجبات والمستحبّات في بعض النصوص، ويحمل الفقهاء ما تتوفّر القرينة على استحبابه على الاستحباب، وما عدى ذلك على الوجوب، ولن يحملوا ما لا تتوفّر فيه قرينة على الاستحباب عليه. مثال ذلك: النصوص المشروحة الواردة في نواهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يجتمع فيها المكروهات والمحرَّمات، ولن يحمل الفقهاء النواهي المجرّدة عن القرائن على الكراهية بقرينة السياق. وتوجيه الخطاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآية لا يمنع من شمول الخطاب لعامة المسلمين ما لم يرد دليل على تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخطاب، فإنّ الأصل في الخطابات القرآنية الموجّهة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الشمول لعامّة المسلمين ما لم يرد دليل على التخصيص ; لضرورة اشتراك المسلمين مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في