وقد قرأنا قبل قليل كلمة الإمام احمد برواية عبدوس بن مالك القطان: (ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمِّي أمير المؤمنين، لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً، برّاً كان أو فاجراً). وحتى فيما إذا كان من غير الممكن إعادة الولاية والإمامة إلى أهلها، واقتضى الأمر التسليم، فإنّ هذا التسليم أمر مؤقّت، وعلى المسلمين العمل والإعداد لإسقاط الحاكم الظالم، ويجب العمل لهذا الإعداد حتى في فترة التسليم ومسايرة النظام الحاكم. وهذه كلّها حقائق واضحة لا يمكن التشكيك فيها، بينما يذهب جمهور فقهاء أهل السنّة إلى وجوب الانقياد. وجوب الانقياد للحاكم المتسلّط: التسليم له، وقبول إمامته، وحرمة معارضته من دون قيد أو شرط، ولا مبرّر على الإطلاق لمثل هذا الإطلاق. النقطة الثانية: إنّ مآل هذا الاستدلال ـ إذا سلم من المؤاخذة الاُولى ـ إلى قاعدة الضرر المعروفة لدى الفقهاء، والتي تبتني على الحديث المعروف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا ضرر ولا ضرار». وتقرير الاستدلال بقاعدة الضرر أنّ تحريم الركون إلى الظالمين، ووجوب المقاومة والرفض عندما يتسبّب للفئة المؤمنة بضرر بليغ، ويكون ضرره اكبر من نفعه، يختصّ بغير حالة الاضرار بالمكلّف، فأنّ قاعدة الضرر ترفع الحكم بتحريم الركون إلى الظالم ووجوب مقاومته، ما دام هذا التحريم والوجوب يكون سبباً في الإضرار بالمؤمن. إذن، فإنّ قاعدة الضرر ترفع إطلاق الحكم بالحرمة عن قوله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) وترفع النهي عن طاعة المسرفين في قوله تعالى: (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ )، وليس من شكّ أنّ القاعدة حاكمة على إطلاقات الأحكام الأولية،