والنحو الثاني من الإلزام: الإلزام الذي يأتي من ناحية التزام الطرف الآخر وقبوله للالزام والتعهّد، كالإلزام الذي يتعهّد به الجندي الذي يتطوّع للخدمة العسكرية، فهو حين يتطوّع للخدمة العسكرية يتقبّل كل الإلزامات والأحكام والأوامر التي تخصّ الخدمة العسكرية، فتحكمه الإلزامات والأوامر العسكرية من خلال إرادته ورغبته، وليس من فوق إرادته. وليس شأن الجندي الذي يتطوّع للخدمة العسكرية ويلتزم بقرارات وأوامر الخدمة العسكرية، بشأن السجين أو الأسير الذي يطيع وينقاد وتفرض عليه الطاعة والإلزام من فوق إرادته ورغبته، ودون المرور بإرادته ورغبته. وقد شاء الله تعالى أن يكرم الإنسان فيحكمه من خلال وعيه وإرادته، ورغبته، من خلال الميثاق الذي يعقده العبد مع الله. وهذا ميثاق فطري قائم في عمق نفس كل انسان، ولا يخلو منه انسان إلاّ أن يفسد سلامة فطرته، وبموجب هذا الميثاق الفطري القائم في عمق نفس كل انسان، يتقبّل كل انسان بصورة حتمية العبودية لله تعالى، والطاعة والتسليم والانقياد له عزّ شأنه، من خلال وعيه الفطري، وإرادته ورغبته واختياره. وهذا هو المعنى التكريمي الذي تنطوي عليه آية الميثاق، والاستيعاب أكثر لهذه النظرية يحسن الرجوع إلى الدراسة التفصيلية التي كتبها كاتب هذه الأسطر عن آية الميثاق. 3 ـ والبيعة تكريم ثالث للانسان يطلب منها الإسلام من المسلمين أن يقرّروا مصيرهم في الدعوة والقتال والإمرة والولاية بأنفسهم واختيارهم، وهذه النقاط الثلاثة (الدعوة، والدولة، والقتال) أهم النقاط السياسية في حياة الإنسان، فلا يريد الإسلام أن تتقرّر حياة المسلمين السياسية في غياب من إرادتهم ووعيهم واختيارهم. ولا يعني ذلك بالطبع أنّ الإسلام يسمح لهم بالتجرّد عن الالتزام تجاه الدعوة أو