أحكامه، من خلال إرادته واختياره، وهذه هي (الإرادة التشريعية) لله تعالى في حياة الإنسان، في مقابل (الإرادة التكوينية) لله تعالى التي تجري في سائر هذا الكون من الجماد والنبات والحيوان. وهذا التكريم الإلهي للانسان هو الذي يؤهّله أن يحلّ دون غيره محلّ الخلافة الإلهية، لينفّذ إرادة الله تعالى ومشيئته وحكمه. 2 ـ ومرحلة اُخرى من مراحل التكريم الإلهي للانسان: أنّ الله تعالى لم يشأ أن يلزم الإنسان بالطاعة والانقياد إلاّ من خلال العهد والميثاق الفطري، فيكون ملتزماً بالطاعة لله ولرسوله من خلال هذا الميثاق الفطري الكامن في عمق فطرة الإنسان، والذي لا ينفك منه انسان على كل حال: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )[175]. وهذا ميثاق وعهد بين الإنسان وبين ربّه سبحانه وتعالى، يشهد بربوبية الله تعالى، ويتعهّد فيه بطاعته، وهو ميثاق كامن في عمق فطرة الإنسان ـ أيّ انسان ـ إلاّ أن يصيبه فساد واختلال في فطرته، بعد أن آتاه الله سلامة الفطرة، وبذلك يكون الإنسان ملزماً بالطاعة والتسليم والانقياد لله تعالى بموجب عهده وميثاقه وتعهّده والتزامه[176]. فإنّ الطاعة والإلزام يتمّ على نحوين: النحو الأول: الإلزام من فوق، دون أخذ موافقة الطرف الآخر، ومن دون أخذ التزامه، كما يتمّ ذلك بالنسبة لأسرى الحرب، والسجناء، والرقيق، والصغار غير الراشدين.