فلمّا جلس كان أول متكلّم العباس بن عبد المطلب، فقال: (يا معشر الخزرج، إنّ محمّداً منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، فمن هو على مثل رأينا فيه...)، فهو وكما نرى فهذا نوع آخر من البيعة قوامها الطاعة والتسليم لإمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقبول بولايته وحاكميته، وهو يختلف اختلافاً واضحاً عن بيعة العقبة الاُولى التي كانت تدور حول محور الدعوة وتعاليمها، والالتزام بهذه التعاليم. 3 ـ بيعة القتال والجهاد وهذا هو النوع الثالث من البيعة في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوامها التعهّد بالطاعة في ساحة القتال، وتحمّل الضرّاء والبأساء حتى الموت، والى هذه البيعة تشير الآيتان الواردتان في سورة الفتح: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )[162]. ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً )[163]. وهذه البيعة هي (بيعة الرضوان) أو (بيعة الشجرة) وخلاصة هذه البيعة: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استنفر أصحابه للعمرة، فخرج معه ألف وثلاثمائة وستون، ومعه سبعون بدنة، وقال: لست أحمل السلاح، إنّما خرجت معتمراً، وأحرموا من ذي الحليفة، وساروا حتى دنوا من الحديبية على تسعة أميال من مكة، فبلغ الخبر أهل مكة فراعهم، واستنفروا من أطاعهم من القبائل حولهم، وقدموا مائتي فارس عليهم خالد بن الوليد أو عكرمة بن أبي جهل، فاستعدّ لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: الله