المسلمين تجاه هذا السفر الذي يتعرّض بحثاً وتحليلاً إلى جملة محطّات مشرقة في تاريخنا العربي الإسلامي، فأفصحت عن مدى قوة الإسلام، ودور رجاله وشخصياته في نشر رايته، وإعلاء كلمته: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، في بقاع عريضة على سطح كوكبنا الدوّار. والأروع منه هذا الإيحاء الصادق الذي يقوم به هذا الطيف من المفكّرين والباحثين الذين استوعبوا هموم الرسالة المحمدية، وتحمّلوا المشاقّ في سبيلها، ومنهم هذا المؤلِّف القدير الذي حاول أن يرسم منهجاً علمياً قويماً لدراسة التاريخ وشخصياته الفذّة. لقد أظهر هذا الكتاب بأسلوبه الشيّق، وبيانه الرائع، وأدبه البليغ، وقلمه الجذّاب، ولغته المسبوكة... مدى ثقافة واطّلاع الكاتب، وموهبته الخارقة التي جمعت رشاقة الأدب، وجفاف لغة الفقه، ومطوّلات قصص التاريخ في بوتقة واحدة ليصبّ منه قالباً أثار إعجاب ودهشة قرّائه. وكلّ ذلك يشير إلى أنّ شخصية المرحوم عبد المقصود ليست من الشخصيات المغمورة أو العادية في مجتمعها، ولا يصنّف ضمن الرجال الذين كانوا يطرقون في الحديد البارد، بل كان يعدّ من الشخصيات الملهمة والمستنيرة، وفي عداد الصفّ الأول ممّن حملوا معاولهم بأيديهم وانطلقوا بحثاً عن الحقيقة. وفي الوقت الذي كان يتحلّى به من شجاعة وجرأة في البحث والحركة في أرض متعرّجة، كان يمتلك البراعة والمهارة الكافية ما تتيح له الجري بتلك الأرض من دون أن يثير الغبار حوله، ولا النفرة من الذين يراقبونه، بل العكس من ذلك، فقد اكتسب إشادة الجميع بعد أن منح كتابه صفةً قلّما تتمتّع بها كتب الآخرين، وهي صفة التقريب، ومحاولة طبعها بطابع الرغبة في معرفة الحقّ والإنصاف، بلغة مشوبة بالأدب واحترام الآخرين. ولذلك لابدّ من التنويه بقيمة هذا الكتاب في إطار التقريب بين المذاهب، لأجل ما تضمّنه من مواضيع جادة وهادفة ينقل القارئ من محطة تاريخية إلى أُخرى،