كما أجمع أهل السير والتاريخ على وفاة السيدة نفيسة بالقاهرة، كما أجمعوا على أنّها لمّا توفّيت وصل زوجها في ذلك اليوم وأراد حملها إلى المدينة لدفنها بالبقيع، فاجتمع أهل مصر إلى أمير البلد، واستجاروا به إلى زوجها ليردّوه عمّا أراد، وقد دفنت فعلاً بالقاهرة كما سيأتي تفصيله، ولذلك كان المصريّون يسمّونها بنفيسة المصرية. مولدها وسبب تسميتها بـ «نفيسة» ولدت السيدة الطاهرة بمكة المكرمة في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية، وقد فرحت أُمها بمولدها، واستبشر بها أبوها، وعمّت الفرحة أكناف بيتها، وقد زاد في سرور أبيها وبهجته أن تكشّف في سيماها شبهاً عظيماً بأُخته، عمّتها السيدة نفيسة بنت زيد رضي الله عنها، وهي التي تزوّج بها الوليد بن عبدالملك، فاختار لها أبوها اسم عمّتها لنفاستها، وما تبيّنه لبنته من وسام و قسام اختصّت بهما أُخته، وتفاؤلاً بأن يكتب الله لها حظّ عمّتها، وما واتاها من سعادة ونعماء، ومالها من آثار وحظوة. إذ كانت محبّبة، ولها اليد البيضاء في خلافة زوجها; إذ أنّها دفعته إلى ما قام به في عهده، فقد فتحت في عهده فتوح عظيمة، وكان يتكفّل بالأيتام، ويرتّب لهم معاشهم، ومن يرعاهم، ومن يقوم بخدمتهم، وللعميان من يقودهم، وعمّر المسجد النبوي ووسّعه، ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء، وأسبغ عليهم، وحرّم الاستجداء وفرض لذوي الحاجات ما يكفيهم، وقد ضبط أمور الخلافة أتمّ ضبط[313]. ومن المصادفات أنّ عمة السيدة نفيسة رضي الله عنها، رحلت إلى مصر وتوفّيت بها، ومقامها بالقرب من السيّدة نفيسة; إذ أنّها دفنت بالدار التي وهبت لها من والي مصر أخي زوجها عبدالله بن عبدالملك، وكانت من الصالحات، وقد توفّيت قبل وفاة بنت أخيها.