فقال الحرّ: «... فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ». فقال الحسين: أبالموت تخوّفني؟... سأمضي وما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما وواسى رجالاً صالحين بنفسه *** وخالف مثبوراً وفارق مجرما فإن عشت لم أندم وإن متُّ لم أُلم *** كفى بك أن تعيش وترغما![299] يتصاعد المكر، وتشحذ قوى البشر، وتأتى أوامر ابن زياد، تحمل تعليمات يزيد: «لا رحمة! امنعوهم عن الماء!». ومعسكر الحسين ينسج مجد الاستشهاد، ثلاثة وسبعون إنساناً في مواجهة أربعة آلاف وحش غاشم من جند ابن زياد من الكوفيِّين! والأقمار من بيت النبوة من كلّ عمر، من لم يتجاوز العاشرة، ومن ملك فتوة الثامنة عشرة والعشرين، ومن بلغ مبلغ الرجال والكهول، يتلألؤون بالإقدام والشجاعة، لايقهرهم إلاّ العطش: «يا أباه، العطش!». والحسين يجيب: «اصبر بنيَّ، فإنّك لاتمسي حتّى يسقيك رسول الله!». وزينب بين الخيام والمعركة تتلقى الأقمار: شهيداً شهيداً، وأنّاتها رغماً عنها تتوالى: «يا حبيباه! يا ابن أخاه! يا ولدي! واثكلاه! اليوم مات جدي رسول الله! اليوم ماتت أمي فاطمة! اليوم مات أبي علي! واليوم مات الحسن! واحسيناه». وتثخن الجراح حسيناً، ويتقدّم التعس الذي باء بقتله، وبعده يحزّ رأسه; لترفعها الرماح إلى يزيد!