ولىّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) فأنت ترى أن الله تعالى قد بيّن لنا أنّه سبحانه وتعالى له أولياء، وأنّ هؤلاء الأولياء هم الذين آمنوا وكانوا يتّقون، وبيّن حالهم في الدنيا فقال:(لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) أي أنّهم بلغ من أمرهم في معاملاتهم وكافّة شؤونهم أنّ شيئاً ممّا قدّر لهم لا يفوتهم، ولا يحزنون على شيء قد فاتهم، لأنّهم يعلمون حقّ العلم أنّ كلّ ما قدّره الله لهم، وعلم أن يكون لهم، لابدّ أن يصل إليهم، فلا يفوتهم منه شيء، فهم مصدّقون بالقضاء والقدر، فإن فاته شيء ممّا يطلبه لا يحزن على فوته ; لاعتقاده أنّه لم يقدَّر له، ولو قدِّر له ما فاته، كما أنّ ما وصل إليه إنّما وصل بقضاء الله وقدره، فهو واثق بالله تمام الوثوق، ولذلك وعدهم بأنّ لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ووصفهم أيضاً بأنّه يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب إيمانهم، كما يشعر بذلك تعليق الحكم بإخراجهم بالإيمان الذي استفيد من الموصول والصلة. فالولىّ شرعاً بمقتضى هاتين الآيتين هو من يتولّى الله تعالى، ويتّخذه مولىً له، فيؤمن به ويتّقيه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه، ويتولاّه الله تعالى بأن يوفّقه فيخرجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم، فكلّ مؤمن له قسط من الولاية على قدر قسطه من إشراق نور الإيمان في قلبه وتقواه، أوشرح صدره للإيمان والإسلام. وإذاً فكلّ مؤمن ولىّ، وإنّما تختلف درجات الولاية على حسب اختلاف درجات التقوى، فمن المؤمنين من يتّقي الخلود في النار بأن يكون مؤمناً عاصياً، ومنهم من يتّقي دخول النار بأن يكون مؤمناً مطيعاً لله في كلّ أعماله، مراقباً له تعالى في سرّه وجهره، معتقداً تمام الاعتقاد أنّ الله تعالى معه أينما كان، وأنّه لا يكون في شأن ولا يعمل من عمل إلاّ والله معه حين يفيض في الشأن أوالعمل، راجياً ثواب الله تعالى، خائفاً من عقابه. وقد عرّف علماء الكلام([380]) الولىّ بأنّه هو العارف بالله تعالى وصفاته، المواظب على الطاعات، والمجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذّات والشهوات، فهو القائم بحقوق الله وحقوق العباد حسب الإمكان. ولذلك قال عبدالسلام صاحب «الجوهرة» في الولىّ: إنّه هو من تولّى الله تعالى أمره، فلم يكله إلى نفسه ولا إلى غيره لحظة، أو الذي يتولّى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري