الفكرة عن التعرض لذكر النصوص الشريفة، فهي أمامنا تملأ كتب الحديث المعتبرة.. وإذا اختلف الفقهاء في جزء أو شرط، فهم متفقون على الشكل المجمل، وذلك لأنهم يستقون من معين واحد، ومنهل أصيل معَيَّن. ولكن قبل استعراض مظاهر البُعد السياسي والاجتماعي في صلاة الجمعة، دعونا نلاحظ هذا الجانب في أصل الصلاة الإسلامية. إنّ الصلاة الإسلامية ليست ـ وفق ما مرّ ـ انقطاعاً للإنسان عن الحياة، وإنّما هي في الواقع، تعبير عن تسليم الحياة بكلّها لله، ورمز لإقامة الصلة الاجتماعية على ضوء العلاقة بالله تعالى. إنّ الصلاة عملية صلة خاصة بالله تنعكس في نفس الحين على كلّ الحياة. ودعونا نقُلْ: إنَّ عملية الصلاة بكلّ إطارها المكاني وألفاظها ومعانيها تعلّم الإنسان كيف يسلك في الحياة، فالمسجد والمحراب والطهارة، والقبلة والركوع والسجود، والقرآن والدعاء والتسبيح تنشر روحها على الحياة كلّها، فيتحول الشارع والمعمل والحقل وكلّ مكان إلى مسجد، ومحراب وطهارة، واتجاه نحو مركز التوحيد، وركوع وسجود، وتسبيح وقرآن مجسَّد مطبق (قُل إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين) ([1]) ليصدق قوله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: «يا أبا ذر إن استطعت أن لا تأكل ولا تشرب إلاّ لله فافعل». وإذا سرت هذه المعاني، تحققت كلّ الأوصاف التي منحت للصلاة، ككونها معراج المؤمن، وأنّها عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان ردّت رُدَّ ما سواها، وأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر. ويكفي أن نُعيد التأمل في عبارة لابدّ أن يرددها كلّ مصل هي (أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ([2]) فهي تعيّن طريق الله في الحياة، وترفض سبل الضلال والغضب الإلهي. والآن فلنعد إلى صلاة الجمعة مركّزين عليها، لنعي الجانب الاجتماعي السائد في هذه العبادة المهمة.