أنّه بطش بابن زياد لقد بطش يومئذ بأكبر أنصار يزيد. وليقل من شاء: إنّ قتل ابن زياد كان صواباً راجحاً، وإنّ التحرّج من قتله كان خطأً فادحاً من وجهة السياسة أو من وجهة الأخلاق، فالذي لا يشكّ فيه أنّه إن كان صواباً فهو صواب سهل يستطيعه كثيرون، وإن كان خطأً فهو الخطأ الصعب الذي لا يستطيعه إلاّ القليلون. كذلك يقول من يقول: إنّ الأريحيّة التي سَمَت إليها طبائع أنصار الحسين إنّما هي أريحيّة الإيمان الذي يعتقد صاحبه أنّه يموت في نصرة الحسين فيذهب لساعته إلى جنّات النعيم. فهؤلاء الذين يقولون هذا القول يجعلون المنفعة وحدها باعث الإنسان إلى جميع أعماله، حتّى ما صدر منها عن عقيدة وإيمان، وينسون أنّ المنفعة وحدها لن تفسر لنا حتّى الغرائز الحيوانيّة التي يصاب من جرّائها الفرد طوعاً أو كرهاً في خدمة نوعه، بل ينسون أنّ أنصار يزيد لا يكرهون جنّات النعيم ولا يكفرون بها، فلماذا لم يطلبوها كما طلبها أنصار الحسين ؟ إنّهم لم يطلبوها ; لأنّهم منقادون لغواية أُخرى ولأنّهم لا يملكون عزيمة الإيمان ونخوة العقيدة، ولا تلك القوّة الخلقيّة التي يتغلبون بها على رهبة الموت ويقدعون([120]) بها وساوس التعلّق بالعيش والخنوع للمتعة القريبة. فلولا اختلاف الطبائع لظهر شغف الناس جميعاً بجنّات النعيم على نحو واحد، ومضى الناس على سنّة واحدة في الأريحيّة والفداء، ومرجع الأمر إذاً في آخر المطاف إلى فرق واضح بين طبائع الأريحيين وطبائع النفعيين.