مشيخته للأزهر كتاب (المختصر النافع) في الفقه الإمامي، وكانت دار التقريب في بداية عملها نشرت كتاب (الروضة البهية) لزين الدين العاملي، والكتاب يضم بين ثناياه فقه الاثني عشرية من خلال الشهيدين الأول والثاني. ولو أردنا أن نلخص أثر التقريب في مجال الفقه على السنة والشيعة، لوجدنا أثره في مجال الفقه السني يتمثل في التأكيد على مبدأ الاجتهاد وتوسيع دائرة الفقه الواقعي الذي يلائم مصلحة الناس، ويلبي مطالب التشريع، بعد الخروج من ضيق المذهب الواحد، إلى سعة المذاهب الإسلامية المتعددة، أما أثره في مجال الفقه الشيعي فنجده في تجاوز العزلة التي أدى إليها حصر المذاهب في الأربعة السنية المعروفة، وهو حصر أدى ـ كما قال العلامة تقي الدين القمي ـ ببقية المذاهب إلى الاعتزال أو الاندثار، وكان الاعتزال من نصيب المذهب الشيعي الذي مكنه التقريب من تجسير الفجوة، وانهاء المقاطعة التي عزلت هذا الفريق الكبير من المسلمين عن بقية أخوانهم، ثم مكنت فقه الفريقين من مقاومة الاستجلاب التشريعي، والغزو الثقافي وما أجلّها من مهمة وما أصعبها أيضاً. د ـ التقريب بين ثقافة الأمة هناك بُعد غائب عند الدارسين لفكرة التقريب عند الإمام محمود شلتوت، وهو بُعد يتجاوز التقريب بين المذاهب الإسلامية في مجال الفقه، ليكون دعوة إلى التقريب بين مناهج التعليم في مصر ليحتل الإسلام فيها مكاناً محورياً، وهذا البعد الغائب صرح به الإمام في محاضرة مجهولة ألقاها مساء الأربعاء الموافق 30 أغسطس سنة 1950 حيث كان يرأس وفد الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي الثاني، في هذا المؤتمر طرحت فكرة إلغاء التعليم الديني وتوحيد مرحلتي الابتدائي والثانوي في الأمة بدعوى التقريب بين فئات الأمة في عقلياتها وتفكيرها، فتصدى العلامة محمود شلتوت للفكرة في مهدها، يقول الشيخ (ليس من شك في أن تقريب الأفكار في الأمة الواحدة، بل في العالم كله، عامل قوي من عوامل السعادة، إلا وإنه ليس من مقتضيات التقريب في الأمة القضاء على الخطوات التي لابد منها في الإعداد الديني الخاص، والذي تطلبه سعادة الشرق خاصة، وسعادة الإنسانية عامة. وليس من مقتضياته ـ أي التقريب ـ أن يدفن تراث هو عصارة أربعة عشر قرناً من تاريخ الإنسانية الفاضلة، وأخيراً