أهليته فالله تعالى يقول: (لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وُسعها)([5]) ولئن كان هذا الفرض عاماً وشاملاً للأزمنة فزماننا آكد وأهم، وذلك لما يلي: 1ـ تدفق طوفان المسائل التي لم تدر بخلد سلف الأمة، بل لو ذكرت لهم لاعتبروها ضرباً من الخيال ونوعاً من المستحيل، وهذه القضايا التي تطرأ على الساحة العالمية تزداد بصورة مذهلة فلابد ان يوازيها ازدياد مهارة الفقهاء التجديدية معولين على الدليل ومراعين للواقع. وحلها يستقى من المعين الذي لا ينضب، ولله در العلامة أبي مسلم عندما قال: (…لما أن النوازل مستمرة الحدوث ولا تخلو أية نازلة من حكم، وما كل حكم منصوص عليه، ولكن لاتزال تمتد أغصان الاحكام الحادثة حملاً على نظائرها من الاحكام المنصوصة أو المقيسة الصحيحة، وهكذا إلى يوم القيامة لا تحدث بحمد الله حادثة إلا ويوجد لها دليل منها على حكمها)([6]). واذا كان عهد الخلفاء الراشدين اتسم بحركة فكرية فقهية للتعدد في الوقائع فكيف بحال عصرنا، والحوادث فيه لا حصر لها مع تعدد جوانبها، فالجنايات وقرائنها المتنوعة كالبصمة وغيرها، والنسب ودلائل ثبوته بالخصائص الوراثية ومختلف الابتكارات الطبية الجديدة كالرحم المستعار والاستنساخ ونقل الاعضاء وغيرها، كل تلك القضايا تستدعي النظر في حكمها، كما ان عجلة الايام لاتزال تدور في المجال الاقتصادي كالمعاملات البنكية المتعددة فأنى تحل بغير الاجتهاد؟! 2ـ ظهور الاكتشافات العلمية ـ أعني الحقائق دون الفرضيات ـ التي لابد من اعتبارها رصيداً فكرياً عند النظر إلى الدليل لنجني ثمارها في مجال التحقيق إذ ربما تفسر المجمل وتؤول الظاهر وتؤكده احياناً، وما الاعجاز العلمي منا ببعيد ففيه تدعيم للظاهر، وهي أيضاً تجلي العلل وتبين زيف بعضها. والمعرفة بها أمر ضروري لابد للمفسر أن يتحلى به؛ لأن الآيات متجاوزة لحدود الزمان والمكان، وذلك ليتجلى لنا الاعجاز بوضوح واليه اشار قوله تعالى: