ولكن الحقّ انّ الحرمة حكم أوّلي لما عرفت من أنّ الملاك هو كون الناس في السعة والضيق فيجوز الأول، ويحرم في الثاني، ولا أظن انّ الضيق الناجم عن احتكار الدواء للمرضى والجرحى أقل وطأة من حكر الملح والسمن والزيت. ([79]) الرابع: تأثيرهما في تغير أساليب تنفيذ الحكم 1ـ تضافرت النصوص على حلّية الأنفال للناس، ومن الأنفال: الآجام والأراضي الموات، وقد كان انتفاع الناس بها في الأزمنة الماضية لا يورث مشكلة في المجتمع، وذلك لبساطة الأدوات التي تستخدم في الاستفادة المحدودة من الأنفال. فلم يكن هناك أي ملزم للحد من انتفاع الناس من الأنفال، وأمّا اليوم فقد تطورت أساليبُ الانتفاع من الأنفال وازداد جشع الإنسان حيالها، فدعت الضرورة إلى وقف الاستغلال الجشع لهذه الأنفال من خلال وضع قوانين كفيلة بتحديد هذا الانتفاع صيانة للبيئة. 2ـ اتّفق الفقهاء على أنّ الغنائم الحربية تقسم بين المقاتلين على نسق خاص بعد إخراج خمسها لأصحابها، لكن الغنائم الحربية في عصر صدور الروايات كانت تدور حول السيف والرمح والسهم والفرس وغير ذلك، ومن المعلوم انّ تقسيمها بين المقاتلين كان أمراً ميسراً آنذاك، وأمّا اليوم وفي ظل التقدم العلمي الهائل فقد أصبحت الغنائم الحربية تدور حول الدبابات والمدرّعات والحافلات والطائرات المقاتلة والبوارج البحرية، ومن الواضح عدم إمكان تقسيمها بين المقاتلين بل هو أمر متعسّر، فعلى الفقيه أن يتخذ أسلوباً في كيفية تطبيق الحكم على صعيد العمل ليجمع فيها بين العمل بأصل الحكم والابتعاد عن المضاعفات الناجمة عنها. 3ـ انّ الناظر في فتاوى الفقهاء السابقين، فيما يرجع إلى الحج؛ من الطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح في منى يحس حرجاً شديداً في تطبيق عمل الحج على هذه الفتاوى، ولكن تزايد وفود حجاج بيت الله عبر الزمان يوماً بعد يوم أعطى للفقهاء رؤى وسيعة في تنفيذ تلك الأحكام على