ـ(48)ـ الإنسان لا يمتلك بعد هذا التصور الاخيارين لا ثالث لهما، فإما أن يتبع الأيديولوجية الإسلامية ويصبغ كل سلوكه بها، وإما أن يكفر بتصوره الماضي ويجحد به بعد أن تستيقنه نفسه. نعم، إذا امتلك الإنسان تصوراً مادياً عن العالم، فستكون أمامه أيديولوجيات بديلة وآلهة وهمية مختلفة، كل يجره إلى سبيله "ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلٍ هل يستويان مثلاً" بل لن يكون لـه أي مسوغ لا تجاه نحو أيديولوجية معينة. وعلى هذا، يمكننا أن نجزم بوجود صلة مهمة بين تصور الإنسان عن العالم وأيديولوجيته في الحياة، فالرأي الرأسمالي يجانب المنطق والواقع. كما يمكننا أن نجزم أيضاً بأن بعض أنواع التصور ـ كالتصور الإسلامي عن العالم ـ لا يدع للإنسان خياراً عملياً إلاّ أن يلتزم الأيديولوجية الإسلامية التي هي وليدة طبيعية للتصور الإسلامي عن الواقع. ومن هنا يقول المرحوم الشهيد المطهري في كتابه(الوحي والنبوة): "ان الأيدلوجية تقوم بشكل أساس على نوعية تصور العالم... إن الأيديولوجية هي من نوع الحكمة العملية، والتصور هو من نوع الحكمة النظرية، وكل نوع من الحكمة العملية مبني على نوع خاص من الحكمة النظرية". وهذا بالضبط ما توحي به النصوص الإسلامية، إنها تذكر العقيدة أو التصور ثم تستنج منه موقفا عملياً. فلنقرأ هذه الآية الشريفة لنجد كيف ينتقل القرآن الكريم من موقف تصوري واقعي إلى موقف أيديولوجي، من تصور العالم الواقعي المتوازن، إلى طلب العدالة في الميزان والقسط في التعامل العملي: يقول تعالى: "والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان". هذا ـ إذن ـ ما يقتضيه