لم يكن بصنع أحد من العباد فبقي الحكم مضافا إلى البئر ولو وضع رجل في هذه البئر حجرا أو حديدا فوقع فيها إنسان فقتله الحجر أو الحديد كان الضمان على الحافر لأنه بمنزلة الدافع للواقع على الحجر أو الحديد وإنما يضاف الإتلاف إلى الدافع وإذا حفر إنسان بئرا في الطريق فوقع فيها رجل فقطعت يده ثم خرج منها فشجه رجلان فمرض من ذلك ثم مات فالدية عليهم أثلاثا لأن ما حصل من الجراحة بالوقوع في البئر مضاف إلى الحافر فكأنه فعل ذلك بيده والمعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات .
( ألا ترى ) أنه لو قطع يديه رجلان وشجه رجل آخر فمات من ذلك كانت الدية عليهم أثلاثا وكذلك لو أن اللذين قطعا يديه شجه أحدهما شجة أخرى لأن المعتبر عدد الجناة فقد يتلف المرء من جراحة واحدة ويسلم من عشر جراحات ولو كان أحدهم جرحه جرحين أو ثلاثة وجرحه الآخر جراحة صغيرة كانت الدية على عدد الرجال ولا يكون على عظم الجراحة ولا على صغرها ولا على عدد جراحها لأن كل جراحة علة تامة للإتلاف وبكثرة العلل في حق الواحد لا يزداد معنى بإضافة الحكم إليها وإذا وقع الرجل في بئر في الطريق فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا ولم يقع بعضهم على بعض فدية الأول على الذي حفر البئر ودية الثاني على الأول المتعلق به ودية الثالث على الثاني والحاصل أن المسألة على وجهين أحدهما أن يعلم أنهم كيف ماتوا بأن خرجوا من البئر أحياء وأخبروا بذلك فنقول في هذا الوجه موت الأول على سبعة أوجه أحدها أن يكون مات بوقوعه في البئر فديته على عاقلة الحافر لأنه كالدافع له في مهواة .
والثاني أن يموت من وقوع الثاني عليه فدمه هدر لأنه هو الذي جر الثاني على نفسه فيكون متلفا نفسه .
والثالث أن يموت من وقوع الثالث عليه فتكون ديته على الثاني لأنه هو الذي جر الثالث .
والرابع أن يموت من وقوعه في البئر ووقوع الثاني عليه فيجب نصف ديته عليه ويهدر نصفها لأنه جنى على نفسه وجنى عليه الحافر .
والخامس أن يموت بوقوعه في البئر ووقوع الثالث عليه فتكون ديته على الحافر وعلى الثاني نصفين لأن الثاني جان عليه بجر الثالث والحافر جان بالحفر .
والسادس أن يموت من وقوع الثاني والثالث عليه فيهدر نصف دمه ويجب نصف ديته على الثاني لأنه جنى على نفسه وجنى عليه الثاني .
والسابع أن يموت من وقوعه في البئر ومن وقوع الثاني والثالث عليه فيجب ثلث ديته على الحافر وثلثها على الثاني بجر الثالث عليه ويهدر ثلثها لأنه بجنايته على نفسه بجره الثاني عليه وأما الثاني فلموته وجوه ثلاثة أحدها أن يكون مات بسبب الوقوع فتكون ديته على