خلف عن الإسلام في معنى الحقن والخلف يعمل عمل الأصل عند عدم الأصل وهذا الحقن والتقوم إنما يثبت بالإحراز والإحراز يكون بالدار لا بالدين لأن الإحراز بالدين إنما يكون في حق من يعتقده فأما الإحراز بقوة أهل الدار فيكون في حق الكل والذمي في الإحراز مساو للمسلم لأنه من أهل دارنا حقيقة وحكما .
والدليل عليه أن الإحراز يؤثر في المال والنفس جميعا ثم في المال إحراز الذمي كإحراز المسلم حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي وحد السرقة أقرب إلى السقوط عند تمكن الشبهة من القصاص ولا يدخل عليه المقضي عليه بالرجم لأنا لا نقول يباح قتله لنقصان في إحراز كل جزء على جريمته فأما الإحراز فقائم في المال والنفس جميعا وها هنا إن سلم لنا أن الإحراز في حق المسلم والذي سواء يتضح الكلام فإنه لا يمكنه أن يدعي بعد ذلك بقاء الشبهة بسبب إصراره على الكفر لأن المبيح كان هو القتال دون الكفر كما قال الله تعالى ! < فإن قاتلوكم فاقتلوهم > ! 191 ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة قال هاه ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت والقتال ينعدم بالإحراز في حق الذمي أصلا كما ينعدم في حق المسلم وقد قررنا هذا في السير .
وإذا ثبت انتفاء الشبهة والمساواة في الإحراز ثبتت المساواة بينهما في حكم القصاص فلا يجوز أن تكون فضيلة الإسلام في القاتل مانعا لأن طريان هذه الفضيلة لا تمنع الاستيفاء فلو كان اقترانها بالسبب يمنع الوجوب لكان طريانها يمنع الاستيفاء كفضيلة الأبوة وفضيلة الإسلام في المنكوحة فإنه لما كان يمنع ابتداء النكاح عليها للكافر يمنع الوطء إذا طرأ بعد النكاح فأما المسلم إذا قتل مستأمنا فلا قصاص عليه على طريق الاستحسان لانعدام المساواة في الإحراز فالمستأمن غير محرز نفسه بدار الإسلام على التأبيد ولهذا لا يوجب القطع بسرقة ماله لبقاء الشبهة المبيحة وهي المحاربة فإنه ممكن من أن يرجع إلى دار الحرب فيعود حربا للمسلمين .
وبهذا الطريق نقول لا يقتل الذمي بالمستأمن أيضا خلافا للشافعي لأن الذمي محرز نفسه بدارنا على التأبيد فلا تتحقق المساواة بينه وبين المستأمن فأما الآيات في نفي المساواة بين الكفار والمؤمنين فالمراد بها في أحكام الآخرة وذلك مبين في آخر كل آية .
وأما قوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم فمن أصلنا أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه فلا يكون هذا بيان أن دماء غير المسلمين لا تكافئ دماء المسلمين .
وأما قوله عليه السلام لا يقتل مؤمن بكافر فهو غير مجري على ظاهره بالاتفاق لأن القاتل إذا أسلم يقتل قصاصا وفيه قتل مؤمن بكافر ثم المراد به الحربي يعني من لا يحل قتله من أهل الحرب كالنساء والصبيان فإنه لا يقتل