ثم هناك لما لم يحتمل التجزي في المحل انعدم أصلا عند الاشتراك وها هنا لم ينعدم القتل فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهم .
وما قال ( بأن الواجب على كل منهم عشر القتيل ) كلام غير معقول لأن القصاص في نفس واحدة كما لا يحتمل التجزي استيفاء لا يحتمل التجزي وجوبا فلا يجوز أن يستحق بعض نفسه قصاصا .
وكيف يستقيم هذا ولو عفى أحد الأولياء حتى حي جزء من المقتول سقط القصاص كله فإذا كان القصاص الواجب يسقط إذا لم يبق مستحقا في بعض النفس بعد العفو فلان لا يجب ابتداء في بعض النفس دون البعض أولى .
وتبين بهذا التحقيق أنه لا طريق سوى ما قلنا أن العشرة إذا قتلوا واحدا فكل واحد منهم قاتل له على الكمال .
وكذلك الأولياء إذا اجتمعوا واستوفوا القصاص كان كل واحد منهم قاتلا له على الكمال مقدار حقه ليحيوه بدفع شر قاتل أبيه عن نفسه وكان ليس معه غيره فلا حاجة إلى القضاء بالدية ولا إلى الترجيح بالسبق أو إلى القرعة .
قال ( وإذا قتل الحر المملوك عمدا فعليه القصاص عندنا ) وقال الشافعي لا قصاص عليه لقوله تعالى ! < الحر بالحر والعبد بالعبد > ! 178 ومقابلة الحر بالحر يقتضي نفي مقابلة الحر بالعبد وهذا على وجه التفسير للقصاص المذكور في قوله تعالى ! < كتب عليكم القصاص في القتلى > ! 178 فيكون بيان أن المساواة التي هي معتبرة إنما تكون عند مقابلة الحر بالحر لا عند مقابلة الحر بالعبد .
وعن بن عمر وبن الزبير رضي الله تعالى عنهم قالا السنة أن لا يقتل لعبد بالحر .
والمعنى فيه أن هذا أحد نوعي القصاص فلا يجب على الحر بسبب المملوك كالقصاص في الأطراف بل أولى لأن حرمة الطرف دون حرمة النفس فالأطراف تابعة للنفس وإذا كان طرف الحر لا يقطع بطرف العبد مع خفة حرمة الطرف فلأن لا يقتل الحر بالعبد مع عظم حرمة النفس كان ذلك أولى .
وتأثيره أن القصاص ينبني على المساواة ولا مساواة بين الأحرار والعبيد فإن العبد مملوك مالا والحر مالك والمالكية في نهاية من العز والكمال والمملوكية في نهاية من الذل والنقصان .
والدليل عليه أن المملوك قائم من وجه هالك من وجه فإن الحرية حياة والرق تلف ولهذا كان المعتق منسوبا بالولاء إلى المعتق لأنه أحياه بالإعتاق حكما ولا مساواة بين القائم من كل وجه وبين القائم من وجه والهالك من وجه .
والدليل عليه أن التفاوت ظاهر بينهما في بدل النفس وهو المال وبه تبين أن الرق أثر في النفسية ولهذا المعنى لا يجب القصاص على المولى بقتل عبده .
ولو لم يؤثر الرق في النفسية لكان المولى كالأجنبي في قتل العبد فيلزمه القصاص ولأن المقتول كان بعرض أن يصير من خول القاتل بأن يشتريه فيمنع ذلك القصاص المساواة بينهما في حكم القصاص كالمسلم مع المستأمن .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى ! < كتب عليكم القصاص في القتلى > !