وأيد هذا القياس قوله تعالى ! < وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس > ! 45 وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس واحدة .
ولكنا تركنا هذا القياس لما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ولأن شرع القصاص لحكمة الحياة وذلك بطريق الزجر كما قررنا ومعلوم أن القتل بغير حق في العادة لا يكون إلا بالتغالب والاجتماع لأن الواحد يقاوم الواحد فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد لأدى إلى سد باب القصاص وإبطال الحكمة التي وقعت الإشارة إليها بالنص .
يوضحه أنه لا مقصود في القتل سوى التشفي والانتقام وذلك حاصل لكل قاتل بكماله كأنه ليس معه غيره .
وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله الواحد إذا قتل جماعة فإنه يقتل بهم جميعا على سبيل الكفاءة .
وقال الشافعي رضي الله عنه إن قتلهم على التعاقب يقتل بأولهم ويقضى بالديات لمن بعد الأول في تركته وإن قتلهم معا يقرع بينهم ويقضى بالقود لمن خرجت قرعته وبالدية للباقين واستدل بقوله تعالى ! < وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس > ! 45 فقد جعل الله تعالى النفس بمقابلة النفس قصاصا فلا يجوز أن يجعل النفس بمقابلة النفوس قصاصا بالرأي .
ولأنا قد بينا أنه لا مساواة بينهما إلا أنا أوجبنا القصاص على العشرة بقتل الواحد لرد عليه القتل بغير حق وهذا لا يوجد في القتل قصاصا لأن ذلك يكون بقوة السلطان فلا تقع الحاجة فيه إلى التعاون والتغالب ولأن في إيجاب القصاص هناك تحقيق معنى الزجر وذلك لا يوجد هنا فإنه بعد ما قتل الواحد إذا علم أنه وإن قتل جميع أعدائه لا يلزمه القصاص أخذ يتجاسر على قتل الأعداء وإذا علم أنه يستوفى الديات من تركته يتحرز من ذلك لإبقاء العناء لورثته فكان معنى الزجر فيما قلنا .
وحقيقة المعنى في الفرق أن العشرة إذا قتلوا واحدا فكل واحد منهم قتل عشره فوجب عليه القصاص بقدر ما أتلف إلا أنه لا يمكن استيفاء ذلك منه إلا بإسقاط ما بقي من حرمة نفسه فيسقط ذلك لضرورة الحاجة إلى استيفاء القصاص كما إذا غصب ساحة وبنى عليها سقط حرمة بنائه لوجوب رد الساحة وكذلك عندي في الساحة فأما ها هنا فكل واحد من المقتولين قد استحق على القاتل نفسا كاملة وليس في نفسه وفاء بالنفوس فلا يمكن أن يقتل بهم جميعا ولكن يترجح أولهم بالسبق فإن حقه ثبت في محل فارغ وإذا قتلهم معا رجح بالقرعة كما هو مذهبي في نظائره .
والدليل على أن كل واحد من القاتلين يستوفى الجزاءات في الخطأ ( ) يجب على كل واحد منهم جزء من الدية وأنه لو كان بعض الفاعلين مخطئا لم يجب القصاص على واحد منهم بخلاف