لتعفية أثر الزنى وحرمة إشاعة الفاحشة من حقوق الله تعالى فكان هذا نظير الواجب بمباشرة الزنى من حيث إن كل واحد منهما مشروع لإبقاء الستر وتعفية أثر الزنى واعتبار الإحصان لمعنى النعمة وذلك فيما هو من حق الله تعالى .
وما ذكره الخصم لا ينفي معنى حق الله تعالى لأن في عرضه حقه وحق الله تعالى وذلك في دفع عار الزنى عنه لأن في إبقاء ستر العفة معنى حق الله تعالى فإذا دل بعض الأدلة على أنه محض حق الله تعالى وبعض الأدلة على اجتماع الحقين فيه قلنا بأن المغلب حق الله تعالى مع اعتبار حق العبد فيه أيضا ليكون عملا بالأدلة كلها .
والدليل عليه أن الاستيفاء إلى الإمام والإمام إنما يتعين نائبا في استيفاء حق الله تعالى وأما ما كان حقا للعبد فاستيفاؤه إليه ولا معتبر بتوهم التفاوت فإن للزوج أن يعزر زوجته وإن كان ذلك يوهم التفاوت لكن التعزير لما كان للزوج حقا له لا ينظر إلى توهم التفاوت من هذا الوجه وهذا لأن هذه المبالغة كما تتوهم من صاحب الحق تتوهم من الجلاد ويمنع صاحب الحق من ذلك إذا ظهر أثره كما يمنع الجلاد منه مع أن توهم الزيادة لا يمنع صاحب الحق عن استيفاء حقه كتوهم السراية في القصاص .
والدليل عليه أنه يتنصف هذا الحد بالرق وإنما يتنصف بالرق لانعدام نعمة الحرية في حق العبد لا لأن بدنه دون بدن الحر في احتمال الضرب فاحتمال بدن العبد للمهانة والضرب أكثر وإنما يتكامل بتكامل النعم ما كان حقا لله تعالى لأن شكر النعمة والتحرز عن كفران النعمة حق للمنعم .
والدليل عليه أن ما كان متمما لهذا الحد وهو سقوط الشهادة كان حقا لله تعالى فكذلك أصل الحد .
ولكن قد بينا أن فيه معنى حق العبد أيضا فلهذا تعتبر خصومته وطلبه ولهذا لا يعمل فيه الرجوع عن الإقرار لأن الخصم مصدق له في الإقرار مكذب له في الرجوع بخلاف ما كان محض حق الله تعالى فإن هناك ليس من يكذبه ولهذا يقام بحجة البينة بعد التقادم لعدم تمكن الشهود من أداء الشهادة قبل طلب المدعي فلا يصيرون متهمين بالضغينة ولهذا يقام على المستأمن لأنه لما كان للعبد حق الخصومة والطلب به والمستأمن ملتزم لحقوق العباد فيقام عليه .
إذا ثبت هذا الأصل فنقول بعفوه لا يسقط عندنا ولأنه إنما يملك إسقاط ما يتمحض حقا له فأما حق الله تعالى لا يملك إسقاطه وإن كان للعبد فيه حق كالعدة فإنها لا تسقط بإسقاط الزوج لما فيها من حق الله تعالى وقد روي مثل مذهبنا عن علي رضي الله عنه ولكن الحد وإن لم يسقط بعفوه فإذا ذهب العافي لا يكون للإمام أن يستوفي لما بينا أن الاستيفاء عند طلبه وقد ترك