( 41 ) ولا يكتفي ابن الأثير بهذا العرض دون التنظير الدلالي ويختار لذلك قوله تعالى : ـ ( وقيل يآ أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي وغيض المآء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا لّلقوم الظّالمين * ) (1) . ويعقب بقوله : " إنك لم تجد ما وجدته لهذه الألفاظ من المزية الظاهرة لا لأمر يرجع إلى تركيبها ، وإنه لم يعرض لها هذا الحسن إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية ، والثالثة بالرابعة وكذلك إلى آخرها " (2). ويتعرض لدلالة اللفظ الواحد في تركيبين مختلفين ، فتجد اللفظ مستكرهاً في تركيب ، وهو نفسه مستحسناً في تركيب آخر ويضرب لذلك مثالاً فيقول : ـ " وسأضرب لك مثالاً يشهد بصحة ما ذكرته ، وهو أنه قد جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن ، وبيت من الشعر ، فجاءت جزلة متينة في القرآن ، وفي الشعر ركيكة ضعيفة ، فأثّر التركيب فيها هذين الوصفين الضدين ، أما الآية فهي قوله تعالى : ـ ( فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديثٍ إنّ ذالكم كان يؤذي النبيّ فيستحي منكم والله لا يستحي من الحقّ ...) (3) وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي (4) : تلذ له المروءة وهي تؤذي * ومـن يعشق يلذ له الغرام وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة إلا أن لفظة : " تؤذي " قد جاءت فيه وفي الآية من القرآن فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها ، وحسن موقعها في تركيب الآية " (5). ____________ (1) سورة هود : 44 . (2) ابن الأثير ، المثل السائر : 1/214 . (3) سورة الأحزاب : 53 . (4) المتنبي ، ديوان المتنبي : 4/75 . (5) ابن الأثير ، المثل السائر : 1/214 .