[ 44 ] الشخصية، وارتفعت مراقبة الدين من قلوب المؤمنين، فلا محاسب ولا محاسب، فالأمر منذر حينذاك بخطر عظيم وشر عميم. ومع كل هذا فقد كان المرتضى - رحمه الله - في ذلك العصر المشحون بالفتن والشغب، والهم والنصب لا يخلو من ظرف ودعابة مع أصدقائه ومعاشريه بما لا يخرج عن حدود؟ الحشمة ومسالك الأدب، فقد اطلع يوما من روشنه فرأى المطرز (1) الشاعر قد انقطع شراك نعله وهو يصلحه فقال له: قدت ركائبك، وأشار إلى قصيدته التي أولها: سرى مغرما بالعيس ينتجع الركبا * يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا (2) على عذبات الجزع من ماء تغلب * غزال يرى ماء القلوب له شربا إذا لم تبلغني إليكم ركائبي * فلا وردت ماء ولا رعت العشبا فقال مسرعا: أتراها ما تشبه مجلسك وخلعك وشربك، أشار بذلك إلى أبيات المرتضى التي منها (3): يا خليلي من ذؤابة قيس * في التصابي رياضة الأخلاق غنياني بذكرهم تطرباني * واسقياني دمعي بكأس دهاق وخذا النوم من جفوني فإني * قد خلعت الكرى على العشاق معاصروه وأصحابه: كان للشريف المرتضى بفضل ما أوتي من شرف العلم والنسب، وما تحلى به من زكاته الطبع والأدب، مع عزة النفس ووفارة المال وجميل الخصال، وسمو الرتبة وجليل ________________________________________ (1) المطرز: لقب أبي القاسم عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب الشاعر، وكان يسكن ناحية الدجاج، توفي في جمادى الآخرة " سنة 439 " (المنتظم 8 / 134). (2) راجع معجم الأدباء لياقوت ج 13 ترجمة المرتضى تجد في هذا البيت وروايته تصحيفات (3) أول القصيدة: ما رأتني عيناك يوم الفراق * أخدع القلب بادكار التلاقي وهي قصيدة حسنة في واحد وأربعين بيتا يهنئ المرتضى خاله أبا الحسين أحمد بن الحسن الناصر بعيد الفطر وهي مثبتة في هذا الديوان. ________________________________________