[ 39 ] ومن أشهر ناقلي هذه القصة وأقدمهم - على ما نعلم - ياقوت الحموي المتوفى سنة 626 ه، أي بعد قرنين وربع من حدوث القصة، ولم يذكر من سندها إلا قوله: " نقلت من بعض الكتب "، وهو سند مبهم كل الابهام كما ترى. ونحن نعلم إن أبا العلاء رثى أبا أحمد الموسوي والد الشريف المرتضى قبيل مفارقته بغداد (1) بقصيدته المشهورة التي مطلعها: أودى فليت الحادثات كفاف * مال المسيف وعنبر المستاف منها: رغت الرعود وتلك هدة واجب * جبل هوى من آل عبد مناف وقد أثنى فيها على الشريف المرتضى وأخيه أطيب الثناء، فلا يصح بعد هذا أن يقال إن أبا العلاء يحط من قدر الشريف أو إن الشريف يحط من قدر أبي العلاء ". هذا وأمثاله مما يختلقه جماعة من الرواة ويضعونه - من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون - كثير. كما قد نسب إلى المرتضى من ذمه وإزرائه بأبي إسحاق الصابي عند ما نقل إليه نعيه ورثاء أخيه الشريف الرضي له - مع أنك وجدت - كما ذكرنا لك من قبل - رثاء المرتضى نفسه للصابي بتلك المرثية الرائعة التي تدمغ ما وضعه المبطلون وافتراه المفترون. هذا وللمرتضى مجلس ذكر أنه دخل عليه فيه أبو العلاء المعري فعثر برجل أحمق فقال لأبي العلاء: من هذا الكلب؟ فقال له أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما، وسمعه المرتضى واستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالا كثيرا (2). وقد مرت عليك الإشارة إلى القصيدة التي يرثي بها المعري أبا أحمد الموسوي والد الشريفين المرتضى والرضي ويثني بها عليهما والتي يقول فيها: ________________________________________ (1) فقد توفي أبو أحمد الموسوي والد السيد المرتضى في جمادى الأولى سنة 400 ه. وبرح أبو العلاء بغداد في شهر رمضان من تلك السنة. (2) نسب أبو سعد عبد الكريم السمعاني المتوفى سنة 564 في كتابه القيم الأنساب هذه القصة لأبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي المتوفى سنة 383 وأنها حدثت في مجلس الصاحب بن عباد الوزير المتوفى سنة 385، وذلك أقرب إلى الصواب " راجع ورقة 209 من الأنساب ". ________________________________________