( 47 ) فإذا كان هذا موقف القرآن الكريم بالنسبة إلى الكتب السماوية، فأولى به أن يكون كذلك بالنسبة إلى السنن المأثورة عن النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) ، فالكتاب مهيمن عليها فيوَخذ بالسنّة ما دامت غير مخالفة للكتاب (1) ولا يعني ذلك الاكتفاء بالكتاب وحذف السنّة من الشريعة فإِنّه من عقائد الزنادقة، بل السنّة حجة ثانية للمسلمين بعد الكتاب العزيز بشرط أن لا تضادّ السند القطعي عند المسلمين. فإذا كان القرآن ناطقاً بالمسح على الاَرجل، فما قيمة السنّة الآمرة بغسلها، فلو أمكن الجمع بين القرآن والسنّة ـ على ما عرفت من كون القرآن ناسخاً لما كان رائجاً في فترة من الزمن ـ فهو المطلوب، وإلاّ فتضرب عرض الجدار. 3. اجتهاد الزمخشري: إنّ الزمخشري (المتوفّـى 538 هـ) لما وقف على أَنّ قراءة الاَرجل بالجر تدل على المسح بوضوح أراد توجيهها وتأويلها، فقال: قرأ جماعة وأرجلكم بالنصب فدلّ على أنّ الاَرجل مغسولة، فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح. قلت: الاَرجل من بين الاَعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصبّ الماء عليها، فكان مظنّة للاِسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ولكن ليُنبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل: إلى الكعبين (2). يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ ما ذكره من الوجه إِّنما يصح إذا كانت النكتة مما تعيها عامة المخاطبين من الموَمنين، وأين هوَلاء من هذه النكتة التي ابتدعها الزمخشري ____________ 1 . قال النبي الاَكرم (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) : "إذا روي لكم عنّي حديث فأعرضوه على كتاب اللّه فإن وافقه فاقبلوه وإلاّ فردوه" لاحظ التفسير الكبير: 3|252، ط سنة 1308. 2. الكشاف: 1|326.