@ 210 @ وهذه طريقة بليغة ، وقد تقدم لنا ذكر ذلك في قوله : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ } ، وأمعنا الكلام هناك . .
{ أَلِيماً ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } . .
ذكرهم الله تعالى بنعمته عليهم في غزوة الخندق ، وما اتصل بها من أمر بني قريظة ، وقد استوفى ذلك أهل السير ، ونذكر من ذلك ما له تعلق بالآيات التي نفسرها . .
وإذ معمولة لنعمة ، أي إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود ، والجنود كانوا عشرة الآف قريش ، ومن تابعهم من الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وسليم يقودهم أبو الأعور ، واليهود النضير رؤساؤهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينه وبين الرسول عهد ، فنبذه بسعي حيي بن أخطب . وقيل : فاجتمعوا خمسة عشر ألفاً ، وهم الأحزاب ، ونزلوا المدينة ، فحفروا الخندق بإشار سلمان ، وظهرت للرسول به تلك المعجزة العظيمة من كسر الصخرة التي أعوزت الصحابة ثلاث فرق ، ظهرت مع كل فرقة برقة ، أراه الله منها مدائن كسرى وما حولها ، روما ومدائن قيصر وما حولها ، ومدائن الحبشة وما حولها ؛ وبشر بفتح ذلك ، وأقام الذراري والنساء بالآطام ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون في ثلاثة آلاف ، فنزلوا بظهر سلع ، والخندق بينهم وبين المشركين ، وكان ذلك في شوال ، سنة خمس ، قاله ابن إسحاق . وقال مالك : سنة أربع . .
وقرأ الحسن : وجنوداً ، بفتح الجيم ؛ والجمهور : بالضم . بعث الله الصبا النصرة نبيه ، فأضرت بهم ؛ هدمت بيوتهم ، وأطفأت نيرانهم ، وقطعت حبالهم ، وأكفأت قدورهم ، ولم يمكنهم معها قرار . وبعث الله مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها . وقرأ أبو عمر وفي رواية ، وأبو بكرة في رواية : لم يروها ، بياء الغيبة ؛ وباقي السبعة ، والجمهور : بتاء الخطاب . { مّن فَوْقِكُمْ } : من أعلى الوادي من قبل مشرق غطفان ، { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } : من أسفل الوادي منه قبل المغرب ، وقريش تحزبوا وقالوا : نكون جملة حتى نستأصل محمداً . وقال مجاهد : { مّن فَوْقِكُمْ } ، يريدف أهل نجد مع عيينة بن حصن ، و { مِنْ * أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، يريد مكة وسائر تهامة ، وهو قول قريب من الأول . وقيل : إنما يراد ما يختص ببقعة المدينة ، أي نزلت طائفة في أعلى المدينة ، وطائفة في أسفلها ، وهذا قريب من القول الأول ، وقد يكون ذلك على معنى المبالغة ، أي جاوؤكم من جميع الجهات ، كأنه قيل : إذ جاوؤكم محيطين بكم ، كقوله : { يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن