@ 209 @ الكلام ، أي : { وَأُوْلُو الاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } في النفع بميراث وغيره . وعدى بإلى ، لأن المعنى : إلا أن توصلوا إلى أوليائكم ، كان ذلك إشارة إلى ما في الآيتين . { فِى الْكِتَابِ } : إما اللوح ، وإما القرآن ، على ما تقدم . { مَسْطُورًا } : أي مثبتاً بالأسطار ، وهذه الجملة مستأنفة كالخاتمة ، لما ذكر من الأحكام ، ولما كان ما سبق أحكام عن الله تعالى ، وكان فيها أشياء مما كانت في الجاهلية ، وأشياء في الإسلام نسخت . أتبعه بقوله : { وَإِذَا * أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } : أي في تبليغ الشرائع والدعاء إلى الله ، فلست بدعاً في تبليغك عن الله . والعامل في إذ ، قاله الحوفي وابن عطية ، يجوز أن يكون مسطوراً ، أي مسطوراً في أم الكتاب ، ويحن أخذنا . وقيل : العامل : واذكر حين أخذنا ، وهذا الميثاق هو في تبليغ رسالات الله والدعاء إلى الإيمان ، ولا يمنعهم من ذلك مانع ، لا من خوف ولا طمع . قال الكلبي : أخذ ميثاقهم بالتبليغ . وقال قتادة : بتصديق بعضهم بعضاً ، والإعلان بأن محمداً رسول الله ، وإعلان رسول الله أن لا نبي بعده . وقال الزجاج وغيره : الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر ، قالوا : فأخذ الله حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وتصديق بعضهم بعضاً ، وبجميع ما تمضنته النبوة . وروي نحوه عن أبيّ بن كعب ، وخص هؤلاء الخمسة بالذكر بعد دخولهم في جملة النبيين . وقيل : هم أولو العزم لشرفهم وفضلهم على غيرهم . وقدم محمد صلى الله عليه وسلم ) ، لكونه أفضل منهم ، وأكثرهم أتباعاً . وقدم نوح في آية الشورى في قوله : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً } الآية ، لأن إيراده على خلاف . الإيراد ، فهناك أورده على طريق وصف دين الإسلام بالأصالة ، فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير . .
والميثاق الثاني هو الأول ، وكرر لأجل صفته . والغلظ : من صفة الأجسام ، واستعير للمعنى مبالغاً في حرمته وعظمته وثقل فرط تحمله . وقيل : الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حمله . واللام في { لِّيَسْأَلَ } ، قيل : يحتمل أن تكون لام الصيرورة ، أي أخذ الميثاق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا . والظاهر أنها لام كي ، أي بعثنا الرسل وأخذنا عليهم المواثيق في التبليغ ، لكي يجعل الله خلقه فرقتين : فرقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة الحجة ، فتجيب بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها ، فيثيبها على ذلك ؛ وفرقة كفرت ، فينالها ما أعد لها من العذاب . فالصادقون على هذا المسئولون هم : المؤمنون . والهاء في { صِدْقُهُمْ } عائدة عليهم ، ومفعول { صِدْقُهُمْ } محذوف تقديره : عن صدقهم عهده . أو يكون { صِدْقُهُمْ } في معنى : تصديقهم ، ومفعوله محذوف ، أي عن تصديقهم الأنبياء ، لأن من قال للصادق صدقت ، كان صادقاً في قوله . أو ليسأل الأنبياء الذي أجابتهم به أممهم ، حكاه علي بن عيسى ؛ أو ليسأل عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم ، حكاه ابن شجرة ؛ أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم ، قاله مجاهد ، وفي هذا تنبيه ، أي إذا كان الأنبياء يسألون ، فكيف بمن سواهم ؟ وقال مجاهد أيضاً : { لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ } ، أراد المؤدين عن الرسل . انتهى . وسؤال الرسل تبكيت للكافرين بهم ، كما قال تعالى : { قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ } ، وقال تعالى : { فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } . { وَأَعَدَّ } : معطوف على { أَخَذْنَا } ، لأن المعنى : أن الله أكد على الأنبياء الدعاء إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين . { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } ، أو على ما دل عليه : { لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ } ، كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين ، قالهما الزمخشري . ويجوز أن يكون حذف من الأول ما أثيب به الصادقون ، وهم المؤمنون ، وذكرت العلة ؛ وحذف من الثاني العلة ، وذكر ما عوقبوا به . وكان التقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم ، فأثابهم ؛ ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم ، كقوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاْنبَاء } ، و { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } ، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول