@ 82 @ ولأن ذلك في الزمان متقدم على ثواب الآخرة . قال قتادة وابن إسحاق وغيرهما : ثواب الدنيا هو الظهور على عدوهم . وقال ابن جريج : هو الظفر والغنيمة . وقال الزمخشري : ثواب الدّنيا من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر . وقال النقاش : ليس إلا الظفر والغلبة ، لأن الغنيمة لم تحل إلا لهذه الأمّة . وهذا صحيح ثبت في الحديث الصحيح : ( وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) وهي إحدى الخمس الذي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولم يؤتها أحد قبله . وحسن ثواب الآخرة الجنة بلا خلاف قاله : ابن عطية . وقيل : الأجر والمغفرة . وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه ، وأنه هو المعتد به عنده { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ } وترغيباً في طلب ما يحصله من العمل الصالح ومناسبة لآخر الآية . قال علي : من عمل لدنياه أضرّ بآخرته ، ومن عمل لآخرته أضرّ بدنياه ، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام . .
{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } قد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الإحسان حين سئل عن حقيقته في حديث سؤال جبريل : { ءانٍ تَعْبُدِ * اللَّهِ * كَأَنَّكَ } وفسره المفسرون هنا بأحد قولين ، وهو من أحسن ما بينه وبين ربه في لزوم طاعته ، أو من ثبت في القتال مع نبيه حتى يقتل أو يغلب . .
{ الْمُحْسِنِينَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } الخطاب عامّ يتناول أهل أحد وغيرهم . وما زال الكفار مثابرين على رجوع المؤمنين عن دينهم ، ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء . وودُّوا لو تكفرون ، لن تنفعكم { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا } . { وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } وقيل : الخطاب خاص بمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من المؤمنين يوم أحد . فعلى الأول علق على مطلق طاعتهم الرد على العقب والانقلاب بالخسران وهذا غاية في التحرز منهم والمجانبة لهم ، فلا يطاعون في شيء ولا يشاورون ، لأن ذلك يستجر إلى موافقتهم ، ويكون الذين كفروا عاماً . وعلى القول الثاني : يكون الذين كفروا خاصاً . فقال عليّ وابن عباس : هم المنافقون قالوا للمؤمنين لما رجعوا من أحد : لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه فارجعوا إلى إخوانكم . وقال ابن جريج : هم اليهود والنصارى وقاله : الحسن . وعنه : إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم لأنهم كانوا يستغوونهم ، ويوقعون لهم الشبه ، ويقولون : لو كان لكم نبياً حقاً لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم ، وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس ، يوماً له ويوماً عليه . .
وقال السدي : هم أبو سفيان وأصحابه من عباد الأوثان . وقال الحسن أيضاً : هو كعب وأصحابه . وقال أبو بكر الرّازي : فيها دلالة على النهي عن طاعة الكفار مطلقاً ، لكن أجمع المسلمون على أنه لا يندرج تحته من وثقنا بنصحه منهم ، كالجاسوس والخرّيت الذي يهدي إلى الطريق ، وصاحب الرأي ذي المصلحة الظاهرة ، والزوجة تشير بصواب . والردة هنا على العقب كناية عن الرجوع إلى الكفر . وخاسرين : أي مغبونين ببيعكم الآخرة . .
{ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ } بل : لترك الكلام الأول من غير إبطال وأخذ في كلام غيره . والمعنى : ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء ، بل الله مولاكم . وقرأ الحسن : بنصب الجلالة على معنى : بل أطيعوا الله ، لأن الشرط السابق يتضمن معنى النهي ، أي لا تطيعوا الكفار فتكفروا ، بل أطيعوا الله مولاكم . .
{ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } لما ذكر أنه مولاهم ، أي ناصرهم ذكر أنّه خير ناصر لا يحتاج معه إلى نصرة أحد ، ولا ولايته . وفي هذا