نَبَعَ الماءُ يَنْبُعُ مُثَلَّثَةً قالَ شَيْخُنَا : التَّثْلِيثُ راجِعٌ إلى عَيْنِ المُضَارِعِ كما هُوَ مَعْلومٌ منْ اصْطِلاحِه في ضَبْطِ آتِي الأفْعالِ ولا يَرْجِعُ لأنَّه أبْقَاه فعُلِمَ أنَّهُ بالفَتْحِ فَقَط وأنَّ التَّثْلِيثَ راجِعٌ لما يَلِيهِ وهُوَ المُضَارِعُ لا غَيْرُ وأمّا ضَبْطُ ابنِ التِّلِمْسَانِيِّ نَبَعَ الماضِي بالتَّثْليثِ فإنَّهُ لا يُعْتَدُّ بهِ ولا يُعْرَفُ في دَوَاوِينِ اللُّغَةِ وإنْ تَبِعَهُ بَعْضُ من اقْتِفَاهُ في حَوَاشِي الشِّفاءِ فلا يُقَالُ فيهِ غَيْرُ نَبَعَ بالفَتْحِ .
قلتُ : وهذا الّذِي ذكرَه في تَثْليثِ عَيْنِ المُضَارِعِ هُوَ الصَّرِيحُ منْ عِبَارَةِ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وأمّا ما رَدَّهُ على ابنِ التِّلِمْسَانِيِّ منْ تَثْلِيثِ ماضِيهِ فهُوَ صَحِيحٌ نَقَلَه صاحِبُ اللِّسَانِ ونَصُّه : نَبَع الماءُ ونَبِعَ ونَبُعَ عنِ اللِّحْيَانِيِّ أي : نَبُعَ بالضَّمِّ عنِ اللِّحْيَانِيِّ فقَوْلُ شَيْخِنا : لا يُعْرَفُ في شيءٍ منْ دَوَاوِينِ اللُّغَةِ مَحَلُ نَظَرٍ نَبْعاً ونُبُوعاً الأخِيرُ بالضَّمِّ وكذلكَ نَبَعَاناً مُحَرَّكَةً نَقَله شَيْخُنا : تَفَجَّرَ وقيلَ : خَرَجَ منَ العَيْنِ ولذلك سُمِّيَتْ العَيْنُ يَنْبُوعاً .
واليَنْبُوعُ : العَيْنُ يَفْعثولٌ منْ نَبَعَ الماءُ : إذا جَرَى منَ العَيْنِ قالَ اللهُ تَعالى : حتى تَفْجُرَ لنا منَ الأرْضِ يَنْبُوعاً .
أو هُوَ الجَدْوَلُ الكَثِيرُ الماءِ قالَهُ ابنُ دُرَيدٍ والجَمْعُ اليَنَابِيعُ ومنْهُ قوْلُه تعالى : فسَلَكَه يَنَابِيعَ في الأرْضِ .
ويَنْبُعُ كيَنْصُرُ : حِصْنٌ لَهُ عُيُونٌ فَوّارَةٌ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : مائِةٌ وسَبْعُونَ عَيْناً ونَخِيلٌ وزُرُوعٌ لِبَنِي الحَسَنِ بن عليِّ بن أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهم بطَرِيقِ حاجِّ مِصْرَ عنْ يَمينِ الجَائي من المَدِينَةِ إلى وادِي الصَّفْراءِ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : وهُوَ مَنْقُولٌ منْ يَنْبُع لكَثْرَةِ يَنَابِيعِها قالَ شيْخُنَا : ولا يُعْرَفُ فيهِ إلا هذه اللُّغَة وقَوْلُ البُوصِيريِّ في الهَمْزِيَّةِ : .
" ... . . فرَقَّ اليَنْبُوعُ والحَوْراءُ فلا يُعْرَفُ بل وَهَمٌ ظاهِرٌ انْتَهَى .
قلت : لا وَهَمَ في قَوْلِ البُوصِيرِيّ Cُ وصانَه عما شأنَه ففي الأساسِ : وكأنَّ عَيْنَهُ يَنْبُوعٌ أي : وبَقِيَّةُ العُيُونِ مُتَفجِّرَةٌ منْهُ وحَيْثُ إنّه اسمُ عَيْنٍ فلا بِدْعَ أنْ يَكُونَ سُمِّيَ باسْمِ أكْبَرِ العُيُونِ أو أنَّه سُمِّيَ بالمَصْدَرِ فإنَّ الرّاغِبَ صَرَّحَ في مُفْرداتِه : نَبَع الماءُ يَنْبُع نَبْعاً ونُبُوعاً ويَنْبُوعاً فتأمَّلْ .
قلتُ : وهو الآنَ صُقْعٌ كَبيرٌ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفيْنِ وأمّا العُيُونُ فإنَّه لمْ يَبْقَ منْهَا إلا الآثارُ قالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ الظُّعُنَ : .
قَوَارِضَ حِضْنِي بَطْنِ يَنْبُعَ غُدْوةً ... قَوَاصِدَ شَرْقِيَّ العَناقَيْنِ عِيرُهَا وقالَ أيْضاً : .
ومَرَّ فأرْوَى يَنْبعُاً فجَنُوبَه ... وقَدْ جِيدَ منْهُ جَيْدَةٌ فعَباثِرُ وقَدْ نُسِبَ إليْهِ حَرْمَلَةُ بنُ عَمروٍ الأسْلمِيُّ الصَّحابِيُّ كانَ يَنْزِلُ يَنْبَعَ وشَهِدَ حِجَّةَ الوَداعِ .
ونُبَايِعُ بضمِّ النُّونِ أو نُبايِعاتٌ الأخِيرُ على الجَمْعِ كأنَّهُم سَمَّوْا كُلَّ بُقْعَةٍ نُبَايع كما يُقالُ لوادِي الصَّفْرَاءِ صَفْرَاوَاتٌ : وادٍ في بلادِ هُذَيْلٍ قالَ أبو ذُؤَيْبٍ : .
فكأنَّهَا بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ ... وأُولاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ وشَكَّ فيهِ الأزْهَرِيُّ فقالَ : نُبَايِعُ : اسْمُ مكانٍ أو جَبَل أو وادٍ